أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٢٩٩
شيء قد استأثر الله بعلمه إلا من أطلع عليه من ملائكته حين يأمره بكتب رزقه وأجله وعمله شقي أو سعيد، قال الله تعالى: (الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد) [الرعد: 8]، وقال: (ويعلم ما في الأرحام) [لقمان: 34]، وهو عالم بكل شيء جل وتعالى، ولكنه خص نفسه بالعلم بالأرحام في هذا الموضع إعلاما لنا أن أحدا غيره لا يعلم ذلك وأنه من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله ومن ارتضى من رسول، قال الله تعالى: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول) [الجن:
26] والله أعلم.
باب بيع أراضي مكة وإجارة بيوتها قال الله تعالى: (والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد).
روى إسماعيل بن مهاجر عن أبيه عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مكة مناخ لاتباع رباعها ولا تؤاجر بيوتها ". وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: " كانوا يرون الحرم كله مسجدا سواء العاكف فيه والبادي ". وروى يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن سابط: (سواء العاكف فيه والباد) قال: " من يجيء من الحاج والمعتمرين سواء في المنازل ينزلون حيث شاءوا غير أن لا يخرج من بيته ساكنه "، قال:
وقال ابن عباس في قوله: (سواء العاكف فيه والباد) قال: (العاكف فيه): أهله، (والباد): من يأتيه من أرض أخرى وأهله في المنزل سواء، وليس ينبغي لهم أن يأخذوا من البادي إجارة المنزل. وروى جعفر بن عون عن الأعمش عن إبراهيم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مكة حرمها الله لا يحل بيع رباعها ولا إجارة بيوتها ". وروى أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. وروى عيسى بن يونس عن عمر بن سعيد بن أبي حسين عن عثمان بن أبي سليمان عن علقمة بن نضلة قال: " كانت رباع مكة في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمان أبي بكر وعمر وعثمان تسمى السوائب من احتاج سكن ومن استغنى سكن ". وروى الثوري عن منصور عن مجاهد قال: قال عمر: " يا أهل مكة لا تتخذوا لدوركم أبوابا لينزل البادي حيث شاء ". وروى عبيد الله عن نافع عن ابن عمر: " أن عمر نهى أهل مكة أن يغلقوا أبواب دورهم دون الحاج ". وروى ابن أبي نجيح عن عبد الله بن عمر قال: " من أكل كراء بيوت مكة فإنما أكل نارا في بطنه ". وروى عثمان بن الأسود عن عطاء قال: " يكره بيع بيوت مكة وكراؤها ". وروى ليث عن القاسم قال: " من أكل كراء بيوت مكة فإنما يأكل نارا ". وروى معمر عن ليث عن عطاء وطاوس ومجاهد:
" كانوا يكرهون أن يبيعوا شيئا من رباع مكة ".
قال أبو بكر: قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ما ذكرنا، وروي عن الصحابة
(٢٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 294 295 296 297 298 299 300 301 302 303 304 ... » »»