أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٢٠٢
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " هو مسجدي هذا ". وروي عن ابن عباس والحسن وعطية أنه مسجد قباء.
قوله تعالى: (فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين) فيه دلالة على أن فضيلة أهل المسجد فضيلة للمسجد وللصلاة فيه. وقوله: (يحبون أن يتطهروا) روي عن الحسن قال: " يتطهرون من الذنوب "، وقيل فيه: التطهر بالماء، حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا محمد بن العلاء قال: حدثنا معاوية بن هشام عن يونس بن الحارث عن إبراهيم بن أبي ميمونة عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " نزلت هذه الآية في أهل قباء (فيه رجال يحبون أن يتطهروا) " قال: " كانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم هذه الآية ". وقد حوى هذا الخبر معنيين، أحدهما: أن المسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد قباء، والثاني: أن الاستنجاء بالماء أفضل منه بالأحجار. وقد تواترت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم بالاستنجاء بالأحجار قولا وفعلا، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استنجى بالماء.
قوله تعالى: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم). أطلق الشرى فيه على طريق المجاز، لأن المشتري في الحقيقة هو الذي يشتري مالا يملك والله تعالى مالك أنفسنا وأموالنا، ولكنه كقوله تعالى: (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا) [البقرة: 245] فسماه شرى كما سمى الصدقة قرضا لضمان الثواب فيهما به، فأجرى لفظه مجرى ما لا يملكه العامل فيه استدعاء إليه وترغيبا فيه.
قوله تعالى: (السائحون) قيل إنهم الصائمون، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" سياحة أمتي الصوم ". وروي عن عبد الله بن مسعود وابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد أنه الصوم.
وقوله تعالى: (والحافظون لحدود الله) هو أتم ما يكون من المبالغة في الوصف بطاعة الله والقيام بأوامره والانتهاء عن زواجره، وذلك لأن لله تعالى حدودا في أوامره وزواجره وما ندب إليه ورغب فيه أو أباحه وما خير فيه وما هو الأولى في تحري موافقة أمر الله، وكل هذه حدود الله، فوصف تعالى هؤلاء القوم بهذا الوصف، ومن كان كذلك فقد أدى جميع فرائضه وقام بسائر ما أراده منه. وقد بين في الآية التي قبلها المرادين بها، وهم الصحابة الذين بايعوه تحت الشجرة وهي بيعة الرضوان، بقوله تعالى:
(فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به)، ثم عطف عليه: (التائبون) فقد بينت هذه الآية منزلة هؤلاء رضي الله عنهم من الدين والإسلام ومحلهم عند الله تعالى. ولا يجوز أن
(٢٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 ... » »»