درهم فعليه أن يتعلم ما يجب عليه فيها، وكذلك الصوم والحج وسائر الفروض.
والمعنى الآخر: أنه فرض على كل مسلم، إلا أنه على الكفاية إذا قام به بعضهم سقط عن الباقين. وفيه دلالة على لزوم خبر الواحد في أمور الديانات التي لا تلزم الكافة ولا تعم الحاجة إليها، وذلك لأن الطائفة لما كانت مأمورة بالإنذار انتظم فحواه الدلالة عليه من وجهين، أحدهما: أن الإنذار يقتضي فعل المأمور به وإلا لم يكن إنذارا. والثاني: أمره إيانا بالحذر عند إنذار الطائفة، لأن قوله تعالى: (لعلهم يحذرون) معناه: ليحذروا، وذلك يتضمن لزوم العمل بخبر الواحد لأن الطائفة اسم يقع على الواحد. وقد روي في تأويل قوله تعالى: (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) [النور: 2] أنه أراد واحدا، وقال تعالى: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) [الحجرات: 9] ولا خلاف أن الاثنين إذا اقتتلا كانا مرادين بحكم الآية، ولأن الطائفة في اللغة كقولك البعض والقطعة من الشيء، وذلك موجود في الواحد، فكان قوله: (من كل فرقة منهم طائفة) بمنزلة لو قال بعضها أو شيء منها، فدلالة الآية ظاهرة في وجوب قبول الخبر المقصر عن إيجاب العلم. وإن كان التأويل ما روي عن ابن عباس أن الطائفة النافرة إنما تنفر من المدينة والتي تتفقه إنما هي القاعدة بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، فدلالتها أيضا قائمة في لزوم قبول خبر الواحد، لأن النافرة إذا رجعت أنذرتها التي لم تنفر وأخبرتها بما نزل من الأحكام. وهي تدل أيضا على لزوم قبول خبر الواحد بالمدينة مع كون النبي صلى الله عليه وسلم بها، لإيجابها الحذر على السامعين بنذارة القاعدين.
قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة)، خص الأمر بالقتال للذين يلونهم من الكفار، وقال في أول السورة (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) وقال في موضع آخر: (وقاتلوا المشركين كافة) فأوجب قتال جميع الكفار، ولكنه خص بالذكر الذين يلوننا فقال من الكفار إذ كان معلوما أنه لا يمكننا قتال جميع الكفار في وقت واحد وإن الممكن منه هو قتال طائفة فكان من قرب منهم أولى بالقتال ممن بعد، لأن الاشتغال بقتال من بعد منهم مع ترك قتال من قرب لا يؤمن معه هجم من قرب على ذراري المسلمين ونسائهم وبلادهم إذا خلت من المجاهدين، فلذلك أمر بقتال من قرب قبل قتال من بعد. وأيضا لا يصح تكليف قتال الأبعد، إذ لا حد للأبعد يبتدأ منه القتال كما للأقرب. وأيضا فغير ممكن الوصول إلى قتال الأبعد إلا بعد قتال من قرب وقهرهم وإذلالهم، فهذه الوجوه كلها تقتضي تخصيص الأمر بقتال الأقرب.
وقوله تعالى: (وليجدوا فيكم غلظة) فيه أمر بالغلظة على الكفار الذين أمرنا بقتالهم