أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٢٠٥
توبتهم على نبيه صلى الله عليه وسلم ليتوب المؤمنون من ذنوبهم لعلمهم بأن الله تعالى قابل توبتهم.
قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين). روى ابن مسعود قال: " يعني لازم الصدق، ولا تعدل عنه إذ ليس في الكذب رخصة ". وقال نافع والضحاك: " مع النبيين والصديقين بالعمل الصالح في الدنيا ". وقال تعالى في سورة البقرة: (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر) [البقرة: 177]، إلى قوله: (أولئك الذين صدقوا) [البقرة: 177]، وهذه صفة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المهاجرين والأنصار، ثم قال في هذه الآية: (وكونوا مع الصادقين) فدل على لزوم اتباعهم والاقتداء بهم لإخباره بأن من فعل ما ذكر في الآية فهم الذين صدقوا، وقال في هذه الآية: (وكونوا مع الصادقين) فدل على قيام الحجة علينا بإجماعهم وأنه غير جائز لنا مخالفتهم لأمر الله إيانا باتباعهم.
وقوله تعالى: (لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة) فيه مدح لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين غزوا معه من المهاجرين والأنصار وإخبار بصحة بواطن ضمائرهم وطهارتهم، لأن الله تعالى لا يخبر بأنه قد تاب عليهم إلا وقد رضي عنهم ورضي أفعالهم. وهذا نص في رد قول الطاعنين عليهم والناسبين بهم إلى غير ما نسبهم الله إليه من الطهارة ووصفهم به من صحة الضمائر وصلاح السرائر رضي الله عنهم.
قوله تعالى: (ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله)، قد بينت هذه الآية وجوب الخروج على أهل المدينة مع رسول الله في غزواته إلا المعذورين ومن أذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم في القعود، ولذلك ذم المنافقين الذين كانوا يستأذنون رسول الله صلى الله عليه وسلم في القعود في الآيات المتقدمة.
وقوله: (ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه) أي يطلبون المنفعة بتوقية إلا أنفسهم دون نفسه، بل كان الفرض عليهم أن يقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنفسهم. وقد كان من المهاجرين والأنصار من فعل ذلك وبذل نفسه للقتل ليقي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى: (ولا يطؤون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا)، فيه الدلالة على أن وطء ديارهم بمنزلة النيل منهم، وهو قتلهم أو أخذ أموالهم أو إخراجهم عن ديارهم، هذا كله نيل منهم، وقد سوى بين وطء موضع يغيظ الكفار وبين النيل منهم، فدل ذلك على أن وطء ديارهم وهو الذي يغيظهم ويدخل الذل عليهم هو بمنزلة نيل الغنيمة والقتل والأسر، وفي ذلك دليل على أن الاعتبار فيما يستحقه الفارس والراجل من
(٢٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 ... » »»