أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ١٧١
النبي صلى الله عليه وسلم لم يعطهم للقرابة فحسب، لأنه لما قال عثمان بن عفان وجبير بن مطعم:
يا رسول الله أما بنو هاشم فلا ننكر فضلهم لقربهم منك وأما بنو المطلب فنحن وهم في النسب شيء واحد فأعطيتهم ولم تعطنا! فقال صلى الله عليه وسلم: " إن بني المطلب لم تفارقني في جاهلية ولا إسلام "، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يعطهم بالقرابة فحسب بل بالنصرة والقرابة، ولو كانت إجابتهم إياه ونصرتهم له في الجاهلية والإسلام أصلا لتحريم الصدقة لوجب أن يخرج منها آل أبي لهب وبعض آل الحارث بن عبد المطلب من أهل بيته لأنهم لم يجيبوه، وينبغي أن لا تحرم على من ولد في الاسلام من بني أمية لأنهم لم يخالفوه، وهذا ساقط. وأيضا فإن سهم الخمس إنما يستحقه خاص منهم وهو موكول إلى اجتهاد الإمام ورأيه، ولم يثبت خصوص تحريم الصدقة في بعض آل النبي صلى الله عليه وسلم. وأيضا فليس استحقاق سهم من الخمس أصلا لتحريم الصدقة، لأن اليتامى والمساكين وابن السبيل يستحقون سهما من الخمس ولم تحرم عليهم الصدقة، فدل على أن استحقاق سهم من الخمس ليس بأصل في تحريم الصدقة.
واختلف في الصدقة على موالي بني هاشم وهل أريدوا بآية الصدقة، فقال أصحابنا والثوري: " مواليهم بمنزلتهم في تحريم الصدقات المفروضات عليهم "، وقال مالك بن أنس: " لا بأس بأن يعطي مواليهم ". والذي يدل على القول الأول حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل أرقم بن أرقم الزهري على الصدقة، فاستتبع أبا رافع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الصدقة حرام على محمد وآل محمد وإن مولى القوم من أنفسهم ".
وروي عن عطاء بن السائب عن أم كلثوم بنت علي عن مولى لهم يقال له هرمز أو كيسان، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: " يا أبا فلان إنا أهل بيت لا نأكل الصدقة وإن مولى القوم من أنفسهم فلا تأكل الصدقة ". وأيضا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " الولاء لحمة كلحمة النسب " وكانت الصدقة محرمة على من قرب نسبه من النبي صلى الله عليه وسلم وهم بنوا هاشم، وجب أن يكون مواليهم بمثابتهم، إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم قد جعله لحمة كالنسب.
واختلف في جواز أخذ بني هاشم للعمالة من الصدقة إذا عملوا عليها، فقال أبو يوسف ومحمد من غير خلاف ذكراه عن أبي حنيفة: " لا يجوز أن يعمل على الصدقة أحد من بني هاشم ولا يأخذ عمالته منها "، قال محمد: " وإنما يصنع ما كان يأخذه علي بن أبي طالب رضي الله عنه في خروجه إلى اليمن على أنه كان يأخذ من غير الصدقة ". قال أبو بكر: يعني بقوله: " لا يعمل على الصدقة " على معنى أنه يعملها ليأخذ عمالتها، فأما إذا عمل عليها متبرعا على أن لا يأخذ شيئا فهذا لا خلاف بين أهل العلم في جوازه.
وقال آخرون: " لا بأس بالعمالة لهم من الصدقة ". والدليل على صحة القول الأول ما
(١٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 ... » »»