أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ١٧٠
وآل جعفر وآل عقيل وولد الحارث بن عبد المطلب، وأن تحريم الصدقة عليهم خاص في المفروض منه دون التطوع. وروى ابن سماعة عن أبي يوسف أن الزكاة من بني هاشم تحل لبني هاشم ولا يحل ذلك من غيرهم لهم. وقال مالك: " لا تحل الزكاة لآل محمد والتطوع يحل ". وقال الثوري: " لا تحل الصدقة لبني هاشم " ولم يذكر فرقا بين النفل والفرض. وقال الشافعي: " تحرم صدقة الفرض على بني هاشم وبني عبد المطلب، ويجوز صدقة التطوع على كل أحد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كان لا يأخذها ".
والدليل على أن الصدقة المفروضة محرمة على بني هاشم حديث ابن عباس قال:
" ما خصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء دون الناس إلا بثلاث: إسباغ الوضوء وأن لا نأكل الصدقة وأن لا ننزي الحمير على الخيل ". وروي أن الحسن بن علي أخذ تمرة من الصدقة فجعلها في فيه، فأخرجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: " إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة ".
وحدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا نصر بن علي قال: حدثنا أبي عن خالد بن قيس عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم وجد تمرة فقال: " لولا إني أخاف أن تكون صدقة لأكلتها ". وروى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم: " في الإبل السائمة من كل أربعين ابنة لبون من أعطاها مؤتجرا فله أجرها ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله، لا يحل لآل محمد منها شيء ". وروي من وجوه كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الصدقة لا تحل لآل محمد إنما هي أوساخ الناس ". فثبت بهذه الأخبار تحريم الصدقات المفروضات عليهم.
فإن قيل: روى شريك عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال: قدم عير المدينة، فاشترى منها النبي صلى الله عليه وسلم متاعا فباعه بربح أواق فضة، فتصدق بها على أرامل بني عبد المطلب ثم قال: " لا أعود أن أشتري بعدها شيئا وليس ثمنه عندي "، فقد تصدق على هؤلاء وهن هاشميات. قيل له: ليس في الخبر أنهن كن هاشميات، وجائز أن لا يكن هاشميات بل زوجات بني عبد المطلب من غير بني عبد المطلب، بل عربيات من غيرهم، وكن أزواجا لبني عبد المطلب فماتوا عنهن. وأيضا فإن ذلك كان صدقة تطوع، وجائز أن يتصدق عليهم بصدقة التطوع. وأيضا فإن حديث عكرمة الذي ذكرناه أولى، لأن حديث ابن عباس أخبر فيه بحكمه فيهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالحضر متأخر للإباحة، فهذا أولى، وأما بنوا المطلب فليسوا من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم لأن قرابتهم منه كقرابة بني أمية، ولا خلاف أن بني أمية ليسوا من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك بنوا المطلب.
فإن قيل: لما أعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم من الخمس سهم ذوي القربى كما أعطى بني هاشم ولم يعط بني أمية دل ذلك على أنهم بمنزلة بني هاشم في تحريم الصدقة. قيل له: إن
(١٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 ... » »»