ويقال إن الفقير إنما سمي بذلك لأنه من ذوي الحاجة بمنزلة من قد كسرت فقاره، يقال منه: فقر الرجل فقرا وأفقره الله إفقارا وتفاقر تفاقرا، والمسكين الذي قد أسكنته الحاجة. وروي عن إبراهيم النخعي والضحاك في الفرق بين الفقير والمسكين. " أن الفقراء المهاجرون والمساكين من غير المهاجرين "، كأنهما ذهبا إلى قوله تعالى:
(للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم) [الحشر: 8]. وروى سعيد عن قتادة قال: " الفقير الذي به زمانة وهو فقير إلى بعض جسده وبه حاجة، والمسكين المحتاج الذي لا زمانة به ". وروى معمر عن أيوب عن ابن سيرين أن عمر بن الخطاب قال: " ليس المسكين بالذي لا مال له ولكن المسكين الذي لا يصيب المكسب ". وهذا الذي قدمنا يدل على أن الفقير أحسن حالا من المسكين وأن المسكين أضعف حالا منه. وقد روى أبو يوسف عن أبي حنيفة فيمن قال ثلث مالي للفقراء والمساكين ولفلان، أن لفلان الثلث والثلثان للفقراء والمساكين، فهذا موافق لما روي عنه في الفرق بين الفقير والمسكين وأنهما صنفان. وروي عن أبي يوسف في هذه المسألة: أن نصف الثلث لفلان ونصفه للفقراء والمساكين، فهذا يدل على أنه جعل الفقراء والمساكين صنفا واحدا.
وقوله تعالى: (والعاملين عليها)، فإنهم السعاة لجباية الصدقة، روي عن عبد الله بن عمر أنهم يعطون بقدر عمالتهم، وعن عمر بن عبد العزيز مثله. ولا نعلم خلافا بين الفقهاء أنهم لا يعطون الثمن وأنهم يستحقون منها بقدر عملهم. وهذا يدل على بطلان قول من أوجب قسمة الصدقات على ثمانية، ويدل أيضا على أن أخذ الصدقات إلى الإمام وأنه لا يجزي أن يعطي رب الماشية صدقتها الفقراء، فإن فعل أخذها الإمام ثانيا ولم يحتسب له بما أدى، وذلك لأنه لو جاز لأرباب الأموال أداؤها إلى الفقراء لما احتيج إلى عامل لجبايتها فيضر بالفقراء والمساكين، فدل ذلك على أن أخذها إلى الإمام وأنه لا يجوز له إعطاؤها الفقراء.
مطلب: في المؤلفة القلوب قوله تعالى: (والمؤلفة قلوبهم)، فإنهم كانوا قوما يتألفون على الاسلام بما يعطون من الصدقات، وكانوا يتألفون بجهات ثلاث: إحداها للكفار لدفع معرتهم وكف أذيتهم عن المسلمين والاستعانة بهم على غيرهم من المشركين، والثانية: لاستمالة قلوبهم وقلوب غيرهم من الكفار إلى الدخول في الاسلام ولئلا يمنعوا من أسلم من قومهم من الثبات على الاسلام ونحو ذلك من الأمور، والثالثة: إعطاء قوم من المسلمين حديثي العهد بالكفر لئلا يرجعوا إلى الكفر. وقد روى الثوري عن أبيه عن أبي نعيم عن