أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ١٧٤
" لا تعطيه "، وقال أبو يوسف ومحمد والثوري والشافعي: " تعطيه " والحجة للقول الأول أنه قد ثبت أن شهادة كل واحد من الزوجين لصاحبه غير جائزة، فوجب أن لا يعطي واحد منهما صاحبه من زكاته لوجود العلة المانعة من دفعها في كل واحد منهما.
واحتج المجيزون لدفع زكاتها إليه بحديث زينب امرأة عبد الله بن مسعود حين سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصدقة على زوجها عبد الله وعلى أيتام لأخيها في حجرها، فقال:
" لك أجران أجر الصدقة وأجر القرابة ". قيل له: كانت صدقة تطوع، وألفاظ الحديث تدل عليه، وذلك لأنه ذكر فيه أنها قالت لما حث النبي صلى الله عليه وسلم النساء على الصدقة وقال:
" تصدقن ولو بحليكن ": جمعت حليا لي وأردت أن أتصدق، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا يدل على أنها كانت صدقة تطوع.
فإن احتجوا بما حدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا ابن ناجية قال: حدثنا أحمد بن حاتم قال: حدثنا علي بن ثابت قال: حدثني يحيى بن أبي أنيسة الجزري عن حماد بن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله، أن زينب الثقفية امرأة عبد الله سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن لي طوقا فيه عشرون مثقالا أفأؤدي زكاته؟ قال: " نعم نصف مثقال "، قالت: فإن في حجري بني أخ لي أيتاما أفأجعله أو أضعه فيهم؟ قال: " نعم "، فبين في هذا الحديث أنها كانت من زكاتها. قيل له: ليس في هذا الحديث ذكر إعطاء الزوج وإنما ذكر فيه إعطاء بني أخيها ونحن نجيز ذلك، وجائز أن تكون سألته عن صدقة التطوع على زوجها وبني أخيها فأجازها وسألته في وقت آخر عن زكاة الحلي ودفعها إلى بني أخيها فأجازها، ونحن نجيز دفع الزكاة إلى بني الأخ.
واختلف في إعطاء الذمي من الزكاة، فقال أصحابنا ومالك والثوري وابن شبرمة والشافعي: " لا يعطى الذمي من الزكاة ". وقال عبيد الله بن الحسن: " إذا لم يجد مسلما أعطى الذمي " فقيل له: فإنه ليس بالمكان الذي هو به مسلم وفي موضع آخر مسلم، فكأنه ذهب إلى إعطائها للذمي الذي هو بين ظهرانيهم. والحجة للقول الأول قول النبي صلى الله عليه وسلم: " أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها في فقرائكم " فاقتضى ذلك أن يكون كل صدقة أخذها إلى الإمام مقصورة على فقراء المسلمين ولا يجوز إعطاؤها الكفار، ولما اتفقوا على أنه إذا كان هناك مسلمون لم يعط الكفار ثبت أن الكفار لا حظ لهم في الزكاة، إذ لو جاز إعطاؤها إياهم بحال لجاز في كل حال لوجود الفقر كسائر فقراء المسلمين.
واختلفوا في دفع الزكاة إلى رجل واحد، فقال أصحابنا: " يجوز أن يعطي جميع زكاته مسكينا واحدا ". وقال مالك: " لا بأس أن يعطي الرجل زكاة الفطر عن نفسه وعياله
(١٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 ... » »»