أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ١٦٩
فلما قال لهما: " إن شئتما أعطيتكما " ولو كان محرما ما أعطاهما مع ما ظهر له من جلدهما وقوتهما، وأخبر مع ذلك أنه لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب، فدل على أنه أراد بذلك كراهة المسألة ومحبة النزاهة لمن كان معه ما يغنيه أو قدر على الكسب فيستغني به عنها.
وقد يطلق مثل هذا على وجه التغليظ لا على وجه تحقيق المعنى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ليس بمؤمن من يبيت شبعانا وجاره جائع "، وقال: " لا دين لمن لا أمانة له "، وقال: " ليس المسكين بالطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان " ولم يرد به نفي المسكنة عنه رأسا حتى تحرم عليه الصدقة، وإنما أراد ليس حكمه كحكم الذي لا يسأل، وكذلك قوله: " ولا حق فيها لغني ولا لقوي مكتسب " على معنى أنه ليس حقه فيها كحق الزمن العاجز عن الكسب، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: " أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها في فقرائكم " فعم سائر الفقراء الزمنى منهم والأصحاء. وأيضا قد كانت الصدقات والزكوات تحمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعطيها فقراء الصحابة من المهاجرين والأنصار وأهل الصفة وكانوا أقوياء مكتسبين، ولم يكن يخص بها الزمنى دون الأصحاء، وعلى هذا أمر الناس من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا يخرجون صدقاتهم إلى الفقراء والأقوياء والضعفاء منهم لا يعتبرون منها ذوي العاهات والزمانة دون الأقوياء الأصحاء، ولو كانت الصدقة محرمة وغير جائزة على الأقوياء المكتسبين الفروض منها أو النوافل لكان من النبي صلى الله عليه وسلم توقيف للكافة عليه لعموم الحاجة إليه فلما لم يكن من النبي صلى الله عليه وسلم توقيف للكافة على حظر دفع الزكوات إلى الأقوياء من الفقراء والمتكسبين أن من أهل الحاجة لأنه لو كان منه توقيف للكافة لورد النقل به مستفيضا، دل ذلك على جواز إعطائها الأقوياء المتكسبين من الفقراء كجواز إعطائها الزمنى والعاجزين عن الاكتساب.
باب ذوي القربى الذين تحرم عليهم الصدقة قال أصحابنا: من تحرم عليهم الصدقة منهم آل العباس وآل علي وآل جعفر وآل عقيل وولد الحارث بن عبد المطلب جميعا. وحكى الطحاوي عنهم: وولد عبد المطلب، ولم أجد ذلك عنهم رواية. والذي تحرم عليهم من ذلك الصدقات المفروضة، وأما التطوع فلا بأس به. وذكر الطحاوي أنه روي عن أبي حنيفة - وليس بالمشهور - أن فقراء بني هاشم يدخلون في آية الصدقات، ذكره في أحكام القرآن، قال:
وقال أبو يوسف ومحمد: لا يدخلون.
قال أبو بكر: المشهور عن أصحابنا جميعا من قدمنا ذكره من آل عباس وآل علي
(١٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 ... » »»