روى مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فسمعته يقول لرجل: " من سأل منكم وعنده أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا "، والأوقية يومئذ أربعون درهما.
وقالت طائفة: " حتى يملك خمسين درهما أو عدلها من الذهب "، واحتجوا في ذلك بما روى الثوري عن حكيم بن جبير عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يسأل عبد مسألة وله ما يغنيه إلا جاءت شيئا أو كدوحا أو خدوشا في وجهه يوم القيامة "، قيل: يا رسول الله وما غناه؟ قال: " خمسون درهما أو حسابها من الذهب ". وروى الحجاج عن الحسن بن سعد عن أبيه عن علي وعبد الله قالا: " لا تحل الصدقة لمن له خمسون درهما أو عوضها من الذهب ". وعن الشعبي قال: " لا يأخذ الصدقة من له خمسون درهما ولا نعطي منها خمسين درهما ".
وقال آخرون: " حتى يملك مائتي درهم أو عدلها من غرض أو غيره فاضلا عما يحتاج إليه من مسكن وخادم وأثاث وفرس "، وهو قول أصحابنا. والدليل على ذلك ما روى أبو بكر الحنفي قال: حدثنا عبد الله بن جعفر قال: حدثني أبي عن رجل من مزينة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " من سأل وله عدل خمس أواق سأل إلحافا ". ويدل عليه ما روى الليث بن سعد قال: حدثني سعيد بن أبي سعيد المقبري عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر أنه سمع أنس بن مالك يقول: إن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ألله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا؟ فقال: " اللهم نعم ". وروى يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بعث معاذا إلى اليمن قال له: " أخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم ".
وروى الأشعث عن ابن أبي جحيفة عن أبيه: " أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ساعيا على الصدقة، فأمره أن يأخذ الصدقة من أغنيائنا فيقسمها في فقرائنا ".
فلما جعل النبي صلى الله عليه وسلم الناس صنفين فقراء وأغنياء وأوجب أخذ الصدقة من صنف الأغنياء وردها في الفقراء، لم تبق ههنا واسطة بينهما، ولما كان الغني هو الذي ملك مائتي درهم، وما دونها لم يكن مالكها غنيا، وجب أن يكون داخلا في الفقراء فيجوز له أخذها، ولما اتفق الجميع على أن من كان له دون الغداء والعشاء تحل له الصدقة علمنا أنها ليست إباحتها موقوفة على الضرورة التي تحل معها الميتة، فوجب اعتبار ما يدخل به في حد الغنى وهو أن يملك فضلا عما يحتاج إليه مما وصفنا مائتي درهم أو مثلها من عرض أو غيره، وأما ملك الأربعين درهما والخمسين درهما على ما روي في الأخبار التي قدمنا فإن هذه الأخبار واردة في كراهة المسألة لا في تحريمها، وقد تكره المسألة