إلى أرباب الأموال وصاروا بمنزلة الوكلاء للإمام في أدائها. وهذا الذي فعله أبو بكر في مانعي الزكاة بموافقة الصحابة إياه كان من غير خلاف منهم بعد ما تبينوا صحة رأيه واجتهاده في ذلك.
ويحتج من أوجب قتل تارك الصلاة ومانع الزكاة عامدا بهذه الآية، وزعم أنها توجب قتل المشرك إلا أن يؤمن ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة. وقد بينا المعنى في قوله تعالى: (وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة) وأن المراد قبول لزومهما والتزام فرضهما دون فعلهما. وأيضا فليس في الآية ما ادعوا من الدلالة على ما ذهبوا إليه، من قبل أنها إنما أوجبت قتل المشركين، ومن تاب من الشرك ودخل في الاسلام والتزم فروضه وأقربها فهو غير مشرك باتفاق، فلم تقتض الآية قتله إذ كان حكمها مقصورا في إيجاب القتل على من كان مشركا، وتارك الصلاة ومانع الزكاة ليس بمشرك.
فإن قالوا: إنما أزال القتل عنه بشرطين، أحدهما: التوبة وهي الإيمان وقبول شرائعه، والوجه الثاني: فعل الصلاة وأداء الزكاة. قيل له: إنما أوجب بديا قتل المشركين بقوله تعالى: (فاقتلوا المشركين) فمتى زالت عنهم سمة الشرك فقد وجب زوال القتل، ويحتاج في إيجابه إلى دلالة أخرى من غيره.
فإن قال: هذا يؤدي إلى إبطال فائدة ذكر الشرطين في الآية. قيل له: ليس الأمر على ما ظننت، وذلك لأن الله تعالى إنما جعل هذين القربين من فعل الصلاة وإيتاء الزكاة شرطا في وجوب تخلية سبيلهم، لأنه قال: (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم) وذلك بعد ذكره القتل للمشركين بالحصر، فإذا زال القتل بزوال سمة الشرك فالحصر والحبس باق لترك الصلاة ومنع الزكاة لأن من ترك الصلاة عامدا وأصر عليه ومنع الزكاة جاز للإمام حبسه، فحينئذ لا يجب تخليته إلا بعد فعل الصلاة وأداء الزكاة، فانتظمت الآية حكم إيجاب قتل المشرك وحبس تارك الصلاة ومانع الزكاة بعد الاسلام حتى يفعلهما.
مطلب: يجب علينا بيان دلائل التوحيد و الرسالة و تعليم أمور الدين قوله تعالى: (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله). قد اقتضت هذه الآية جواز أمان الحربي إذا طلب ذلك منا ليسمع دلالة صحة الاسلام، لأن قوله: (استجارك) معناه: استأمنك، وقوله تعالى: (فأجره) معناه: فأمنه حتى يسمع كلام الله الذي فيه الدلالة على صحة التوحيد وعلى صحة نبوة النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا يدل على أن الكافر إذا طلب منا إقامة الحجة عليه وبيان دلائل التوحيد والرسالة حتى يعتقدهما