أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ١٠٥
عرفة، ويحتمل أن يكون يوم النحر لأن فيه تمام قضاء المناسك والتفث، ويحتمل أيام منى على ما روي عن مجاهد، وخصه بالأكبر لأنه مخصوص بفعل الحج فيه دون العمرة. وقد قيل: إن يوم النحر أولى بأن يكون يوم الحج الأكبر من يوم عرفة، لأنه اليوم الذي يجتمع فيه الحج لقضاء المناسك، وعرفة قد يأتيها بعضهم ليلا وبعضهم نهارا، وأما النداء بسورة براءة فجائز أن يكون كان يوم عرفة وجائز يوم النحر.
قال الله تعالى: (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم).
روى معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (لست عليهم بمصيطر) [الغاشية: 22]، وقوله: (وما أنت عليهم بجبار) [ق: 45]، وقوله تعالى:
(فاعف عنهم واصفح) [المائدة: 13]، وقوله تعالى: (قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله) [الجاثية: 14]، قال: " نسخ هذا كله قوله تعالى: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) وقوله تعالى: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) الآية ". وقال موسى بن عقبة: قد كان النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك يكف عمن لم يقاتله بقوله تعالى: (و ألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا) [النساء: 90]، ثم نسخ ذلك بقوله: (براءة من الله ورسوله)، ثم قال: (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين). قال أبو بكر: عمومه يقتضي قتل سائر المشركين من أهل الكتاب وغيرهم وأن لا يقبل منهم إلا الاسلام أو السيف، إلا أنه تعالى خص أهل الكتاب بإقرارهم على الجزية بقوله تعالى: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) الآية، وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الجزية من مجوس هجر. وقال في حديث علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا بعث سرية قال: " إذا لقيتم المشركين فادعوهم إلى الاسلام فإن أبوا فادعوهم إلى أداء الجزية فإن فعلوا فخذوا منهم وكفوا عنهم "، وذلك عموم في سائر المشركين، فخصصنا منه من لم يكن من مشركي العرب بالآية، وصار قوله تعالى:
(فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) خاصا في مشركي العرب دون غيرهم. وقوله تعالى: (وخذوهم واحصروهم) يدل على حبسهم بعد الأخذ والاستيناء بقتلهم انتظارا لإسلامهم، لأن الحصر هو الحبس. ويدل أيضا على جواز حصر الكفار في حصونهم ومدنهم إن كان فيهم من لا يجوز قتله من النساء والصبيان وأن يلقوا بالحصار. وقوله تعالى: (فاقتلوا المشركين) يقتضي عمومه جواز قتلهم على سائر وجوه القتل، إلا أن السنة قد وردت بالنهي عن المثلة وعن قتل الصبر بالنبل ونحوه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أعف الناس قتلة أهل الإيمان "، وقال: " إذا قتلتم فأحسنوا القتلة ". وجائز أن يكون أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين قتل أهل الردة بالإحراق والحجارة والرمي من رؤوس الجبال
(١٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 ... » »»