أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ١٠٣
من المشركين): إلى أهل العهد من خزاعة ومدلج ومن كان له عهد من غيرهم، قال: ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعليا فآذنوا أصحاب العهود أن يأمنوا أربعة أشهر، وهي الأشهر الحرم المتواليات من عشر من ذي الحجة إلى عشر يخلو من شهر ربيع الآخر، ثم لا عهد لهم، قال: وهي الحرم من أجل أنهم آمنوا فيها.
قال أبو بكر: فجعل مجاهد الأشهر الحرم في أشهر العهد، وذهب إلى أنها إنما سميت بذلك لتحريم القتال فيها، وليست هي الأشهر التي قال الله فيها: (أربعة حرم)، وقال: (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه) [البقرة: 217]، لأنه لا خلاف أن هذه الأشهر هي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم. والذي قاله مجاهد في ذلك محتمل.
وقال السدي: (فسيحوا في الأرض أربعة أشهر)، قال: " عشرون يبقى من ذي الحجة إلى عشر من ربيع الآخر ثم لا أمان لأحد ولا عهد إلا الاسلام أو السيف ".
وحدثنا عبد الله بن إسحاق المروزي: حدثنا الحسن بن أبي ربيع الجرجاني: أخبرنا عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن الزهري في قوله: (فسيحوا في الأرض أربعة أشهر) قال:
" نزلت في شوال وهي أربعة أشهر: شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم ". قال قتادة:
" عشرون من ذي الحجة والمحرم وصفر وربيع الأول وعشر من ربيع الآخر، كان ذلك في العهد الذي بينهم ".
قال أبو بكر: قول قتادة موافق لقول مجاهد الذي حكيناه، أما قول الزهري فأظنه وهما، لأن الرواة لم يختلفوا أن سورة براءة نزلت في ذي الحجة في الوقت الذي بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر على الحج، ثم نزلت بعد خروجه سورة براءة فبعث بها مع علي ليقرأها على الناس بمنى، فثبت بما ذكرنا من هذه الأخبار أنه قد كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين عهد عام وهو أن لا يصد أحدا منهم عن البيت ولا يخاف أحد في الشهر الحرام، فجعل الله تعالى عهدهم أربعة أشهر بقوله تعالى: (فسيحوا في الأرض أربعة أشهر)، وكان بينه وبين خواص منهم عهود إلى آجال مسماة، وأمر بالوفاء لهم وإتمام عهودهم إلى مدتهم إذا لم يخش غدرهم وخيانتهم، وهو قوله تعالى: (إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم)، وهذا يدل على أن مدتهم إما أن تكون إلى آخر الأشهر الحرم التي قد كان الله تعالى حرم القتال فيها، وجائز أن تكون مدتهم إلى آخر الأربعة الأشهر من وقت النبذ إليهم، وهو يوم النحر وآخره عشر مضين من شهر ربيع الآخر، فسماها الأشهر الحرم
(١٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 ... » »»