لحجة ودلالة كان علينا إقامة الحجة وبيان توحيد الله وصحة نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه غير جائز لنا قتله إذا طلب ذلك منا إلا بعد بيان الدلالة وإقامة الحجة، لأن الله قد أمرنا بإعطائه الأمان حتى يسمع كلام الله. وفيه الدلالة أيضا على أن علينا تعليم كل من التمس منا تعريفه شيئا من أمور الدين، لأن الكافر الذي استجارنا ليسمع كلام الله إنما قصد التماس معرفة صحة الدين.
مطلب: يجب على الإمام حفظ أهل الذمة وقوله تعالى: (ثم أبلغه مأمنه) يدل على أن على الإمام حفظ هذا الحربي المستجير وحياطته ومنع الناس من تناوله بشر، لقوله: (فأجره) وقوله: (ثم أبلغه مأمنه)، وفي هذا دليل أيضا على أن على الإمام حفظ أهل الذمة والمنع من أذيتهم والتخطي إلى ظلمهم.
وفيه الدلالة على أنه لا يجوز إقرار الحربي في دار الاسلام مدة طويلة، وأنه لا يترك فيها إلا بمقدار قضاء حاجته، لقوله تعالى: (حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه) فأمر برده إلى دار الحرب بعد سماعه كلام الله، وكذلك قال أصحابنا: لا ينبغي للإمام أن يترك الحربي في دار الاسلام مقيما بغير عذر ولا سبب يوجب إقامته، وأن عليه أن يتقدم إليه بالخروج إلى داره، فإن أقام بعد التقدم إليه سنة في دار الاسلام صار ذميا ووضع عليه الخراج.
قوله تعالى: (كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام). قال أبو بكر: ابتداء السورة يذكر قطع العهد بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين بقوله: (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين)، وقد قيل إن هؤلاء قد كان بينهم وبين النبي عهد فغدروا وأسروا وهموا به، فأمر الله نبيه بالنبذ إليهم ظاهرا، وفسخ لهم في مدة أربعة أشهر بقوله: (فسيحوا في الأرض أربعة أشهر).
وقيل: إنه أراد العهد الذي كان بينه وبين المشركين عامة في أن لا يمنع أحد من المشركين من دخوله مكة للحج وأن لا يقاتلوا ولا يقتلوا في الشهر الحرام، فكان قوله:
(براءة من الله ورسوله) في أحد هذين الفريقين، ثم استثنى من هؤلاء قوما كان بينهم وبين رسول الله عهد خاص ولم يغدروا ولم يهموا به فقال: (إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم) ففرق بين حكم هؤلاء الذين ثبتوا على عهدهم ولم ينقصوهم ولم يعاونوا أعداءهم عليهم وأمر بإتمام عهدهم إلى مدتهم، وأمر بالنبذ إلى الأولين، وهم أحد