ومحمد فقالا: " إن الصابئين ليسوا أهل الكتاب " ولم يفصلوا بين الفريقين. وقد روي في ذلك اختلاف بين التابعين. وروى هشيم أخبرنا مطرف قال: كنا عند الحكم بن عيينة، فحدثه رجل عن الحسن البصري أنه كان يقول في الصابئين: هم بمنزلة المجوس، فقال الحسن: أليس قد كنت أخبرتكم بذلك؟ وروى عباد بن العوام عن الحجاج عن القاسم بن أبي بزة عن مجاهد قال: " الصابئون قوم من المشركين بين اليهود والنصارى ليس لهم كتاب "، وكذلك قول الأوزاعي ومالك بن أنس. وروى يزيد بن هارون عن حبيب بن أبي حبيب عن عمرو بن هرم عن جابر بن زيد أنه سئل عن الصابئين: أمن أهل الكتاب هم وطعامهم ونساؤهم حل للمسلمين؟ فقال: نعم. وأما المجوس فليسوا أهل كتاب، بدلالة الآية ولما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " سنوا بهم سنة أهل الكتاب " وفي ذلك دلالة على أنهم ليسوا أهل كتاب.
وقد اختلف أهل العلم فيمن تؤخذ منهم الجزية من الكفار بعد اتفاقهم على جواز إقرار اليهود والنصارى بالجزية، فقال أصحابنا: " لا يقبل من مشركي العرب إلا الاسلام أو السيف وتقبل من أهل الكتاب من العرب من سائر كفار العجم الجزية ". وذكر ابن القاسم عن مالك: " أنه تقبل من الجميع الجزية إلا من مشركي العرب " وقال مالك في الزنج ونحوهم: " إذا سبوا يجبرون على الاسلام ". وروي عن مجاهد أنه قال: " يقاتل أهل الكتاب على الجزية وأهل الأوثان على الصلاة "، ويحتمل أن يريد به أهل الأوثان من العرب. وقال الثوري: " العرب لا يسبون وهوازن سبوا ثم تركهم النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الشافعي: " لا تقبل الجزية إلا من أهل الكتاب عربا كانوا أو عجما ".
قال أبو بكر: قوله تعالى: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) يقتضي قتل سائر المشركين، فمن الناس من يقول: إن عمومه مقصور على عبدة الأوثان دون أهل الكتاب والمجوس، لأن الله تعالى قد فرق في اللفظ بين المشركين وبين أهل الكتاب والمجوس بقوله تعالى: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا) [الحج: 17] فعطف بالمشركين على هذه الأصناف، فدل ذلك على أن إطلاق هذا اللفظ يختص بعبدة الأوثان وإن كان الجميع من النصارى والمجوس والصابئين مشركين، وذلك لأن النصارى قد أشركت بعبادة الله عبادة المسيح والمجوس مشركون من حيث جعلوا لله ندا مغالبا، والصابئون فريقان، أحدهما عبدة الأوثان والآخر لا يعبدون الأوثان ولكنهم مشركون في وجوه أخر، إلا أن إطلاق لفظ المشرك يتناول عبدة الأوثان، فلم يوجب قوله تعالى: (فاقتلوا المشركين) إلا قتل عبدة الأوثان دون غيرهم. وقال آخرون: لما كان معنى الشرك موجودا في مقالات هذه الفرق من النصارى