أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٩٧
جعفر بن محمد بن اليمان قال: حدثنا أبو عبيدة قال: حدثنا حجاج عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء الخراساني عن ابن عباس في قوله تعالى: (إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله) الآية، قال: " كان المهاجر لا يتولى الأعرابي ولا يرثه وهو مؤمن ولا يرث الأعرابي المهاجر، فنسختها: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله). وروى عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي عن القاسم قال: " آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الصحابة وآخى بين عبد الله بن مسعود والزبير بن العوام أخوة يتوارثون بها لأنهم هاجروا وتركوا أقرباءهم حتى أنزل الله آية المواريث ".
قال أبو بكر: اختلف السلف في أن التوارث كان ثابتا بينهم بالهجرة والأخوة التي آخى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم دون الأرحام، وأن ذلك مراد هذه الآية، وأن قوله تعالى:
(أولئك بعضهم أولياء بعض) قد أريد به إيجاب التوارث بينهم، وأن قوله: (مالكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا) قد نفى إثبات التوارث بينهم بنفيه الموالاة بينهم، وفي هذا دلالة على أن إطلاق لفظ الموالاة يوجب التوارث وإن كان قد يختص به بعضهم دون جميعهم على حسب وجود الأسباب المؤكدة له، كما أن النسب سبب يستحق به الميراث. وإن كان بعض ذوي الأنساب أولى به في بعض الأحوال لتأكد سببه، وفي هذا دليل على أن قوله تعالى: (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) [الإسراء: 33] موجب لإثبات القود لسائر ورثته وأن النساء والرجال في ذلك سواء لتساويهم في كونهم من مستحقي ميراثه. ويدل أيضا على أن الولاية في النكاح مستحقة بالميراث، وأن قوله صلى الله عليه وسلم: " لا نكاح إلا بولي " مثبت للولاية لجميع من كان من أهل الميراث على حسب القرب وتأكيد السبب، وأنه جائز للأم تزويج أولادها الصغار إذا لم يكن لهم أب على ما يذهب إليه أبو حنيفة، إذ كانت من أهل الولاية في الميراث.
وقد كانت الهجرة فرضا حين هاجر النبي صلى الله عليه وسلم، إلى أن فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة فقال:
" لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية " فنسخ التوارث بالهجرة بسقوط فرض الهجرة وأثبت التوارث بالأنساب بقوله تعالى: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله). قال الحسن: " كان المسلمون يتوارثون بالهجرة حتى كثر المسلمون فأنزل الله تعالى: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض) فتوارثوا بالأرحام ". وروى الأوزاعي عن عبدة عن مجاهد عن ابن عمر قال: " انقطعت الهجرة بعد الفتح ". وروى الأوزاعي أيضا عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة مثله، وزاد فيه: " ولكن جهاد ونية ". وإنما كانت الهجرة إلى الله ورسوله والمؤمنون يفرون بدينهم من أن يفتنوا عنه وقد أذاع الله الاسلام وأفشاه، فتضمنت هذه الآية إيجاب التوارث بالهجرة والمؤاخاة دون الأنساب وقطع
(٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 ... » »»