أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٦٠٠
ذكر الخلاف في ذلك قال أصحابنا: " لا يؤكل من حيوان الماء إلا السمك "، وهو قول الثوري، رواه عنه أبو إسحاق الفزاري. وقال ابن أبي ليلى: " لا بأس بأكل كل شئ يكون في البحر من الضفدع وحية الماء وغير ذلك "، وهو قول مالك بن أنس، وروي مثله عن الثوري، قال الثوري: " ويذبح ". وقال الأوزاعي: " صيد البحر كله حلال "، ورواه عن مجاهد. وقال الليث بن سعد: " ليس بميتة البحر بأس وكلب الماء والذي يقال له فرس الماء، ولا يؤكل انسان الماء ولا خنزير الماء ". وقال الشافعي: " ما يعيش في الماء حل كله وأخذه ذكاته، ولا بأس بخنزير الماء.
واحتج من أباح حيوان الماء كله بقوله تعالى: (أحل لكم صيد البحر) وهو على جميعه، إذ لم يخصص شيئا منه. ولا دلالة فيه على ما ذكروا، لأن قوله تعالى: (أحل لكم صيد البحر) إنما هو على إباحة اصطياد ما فيه للمحرم، ولا دلالة فيه على أكله.
والدليل عليه أنه عطف عليه قوله: (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) فخرج الكلام مخرج بيان اختلاف حكم صيد البر والبحر على المحرم. وأيضا فإن الصيد اسم مصدر، وهو اسم للاصطياد وإن كان قد يقع على المصيد، ألا ترى أنك تقول: " صدت صيدا "؟
وإذا كان ذلك مصدرا كان اسما للاصطياد الذي هو فعل الصائد، ولا دلالة فيه إذا أريد به ذلك على إباحة الأكل وإن كان قد يعبر به عن المصيد، إلا أن ذلك مجاز، لأنه تسمية للمفعول باسم الفعل، وتسمية الشئ باسم غيره إنما هو استعارة. ويدل على بطلان قول من أباح جميع حيوان الماء قول النبي صلى الله عليه وسلم: " أحلت لنا ميتتان ودمان: السمك والجراد "، فخص من الميتات هذين، وفي ذلك دليل على أن المخصوص من جملة الميتات المحرمة بقوله: (حرمت عليكم الميتة) [المائدة: 3] هو هذان دون غيرهما، لأن ما عداهما قد شمله عموم التحريم بقوله: (حرمت عليكم الميتة) [المائدة: 3] وقوله تعالى: (إلا أن يكون ميتة) [الأنعام: 145] وذلك عموم في ميتة البر والبحر. ومن أصحابنا من يجعل حصره المباح بالعدد المذكور دلالة على حظره ما عداه. وأيضا لما خصهما بالذكر وفرق بينهما وبين غيرهما من الميتات دل تفرقه على اختلاف حالهما، ويدل عليه أيضا وقوله تعالى: (ولحم الخنزير) [المائدة 3، البقرة: 173، النحل:
115] وذلك عموم في خنزير الماء كهو في خنزير البر. فإن قيل: إن خنزير الماء إنما يسمى حمار الماء. قيل له: إن سماه انسان حمارا لم يسلبه ذلك اسم الخنزير المعهود له في اللغة، فينتظمه عموم التحريم. ويدل عليه حديث ابن أبي ذئب عن سعيد بن خالد عن سعيد بن المسيب عن عبد الرحمن بن عثمان قال: " ذكر طبيب الدواء عند النبي صلى الله عليه وسلم وذكر
(٦٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 595 596 597 598 599 600 601 602 603 604 605 ... » »»