قياما للناس، لأنهم كانوا يأمنون فيها ويتصرفون فيها في معايشهم، فكان فيه قوامهم.
وهذا الذي ذكره الله تعالى من قوام الناس بمناسك الحج والحرم والأشهر الحرم والهدي والقلائد معلوم مشاهد من ابتداء وقت الحج في زمن إبراهيم عليه السلام إلى زمان النبي صلى الله عليه وسلم وإلى آخر الدهر، فلا ترى شيئا من أمر الدين والدنيا تعلق به من صلاح المعاش والمعاد بعد الإيمان ما تعلق بالحج، ألا ترى إلى كثرة منافع الحج في المواسم التي يردون عليها من سائر البلدان التي يجتازون بمنى وبمكة إلى أن يرجعوا إلى أهاليهم وانتفاع الناس بهم وكثرة معايشهم وتجاراتهم معهم، ثم ما فيه من منافع الدين من التأهب للخروج إلى الحج وإحداث التوبة والتحري لأن تكون نفقته من أحل ماله، ثم احتمال المشاق في السفر إليه وقطع المخاوف ومقاساة اللصوص والمحتالين في مسيرهم إلى أن يبلغوا مكة، ثم الإحرام والتجرد لله تعالى والتشبه بالخارجين يوم النشور من قبورهم إلى عرصة القيامة، ثم كثرة ذكر الله تعالى بالتلبية واللجأ إلى الله تعالى وإخلاص النية له عند ذلك البيت والتعلق بأستاره موقنا بأنه لا ملجأ له غيره، كالغريق المتعلق بما يرجو به النجاة وأنه لا خلاص له إلا بالتمسك به، ثم إظهار التمسك بحبل الله الذي من تمسك به نجا ومن حاد عنه هلك، ثم حضور الموقف والقيام على الأقدام داعين راجين لله تعالى متخلفين عن كل شئ من أمور الدنيا تاركين أموالهم وأولادهم وأهاليهم على نحو وقوفهم في عرصة القيامة، وما في سائر مناسك الحج من الذكر والخشوع والانقياد لله تعالى، ثم ما يشتمل عليه الحج من سائر القرب التي هي معروفة في غيره من الصلاة والصيام والصدقة والقربات والذكر بالقلب واللسان والطواف بالبيت، وما لو استقصينا ذكره لطال به القول، فهذه كلها من منافع الدين والدنيا.
قوله تعالى: (ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض) إخبار عن علمه بما تؤدي إليه شريعة الحج من منافع الدين والدنيا، فدبره هذا التدبير العجيب وانتظم به صلاح الخلق من أول الأمة وآخرها إلى يوم القيامة. فلولا أن الله تعالى كان عالما بالغيب وبالأشياء كلها قبل كونها لما كان تدبيره لهذه الأمور مؤديا إلى ما ذكر من صلاح عباده في دينهم ودنياهم، لأن من لا يعلم الشئ قبل كونه لا يتأتى منه فعل المحكم المتقن على نظام وترتيب يعم جميع الأمة نفعه في الدين والدنيا.
قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم). روى قيس بن الربيع عن أبي حصين عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبان قد احمر وجهه، فجلس على المنبر فقال: " لا تسألوني عن شئ إلا أجبتكم " فقام إليه رجل فقال:
أين أنا؟ فقال: " في النار " فقام إليه آخر فقال: من أبي؟ فقال: " أبوك حذافة " فقام عمر