أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٦٠٢
وعطاء بن يسار عن أبي قتادة قال: أصبت حمار وحش، فقلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أصبت حمار وحش وعندي منه فضلة، فقال للقوم: " كلوا! " وهم محرمون. وروى أبو الزبير عن جابر قال: " عقر أبو قتادة حمار وحش ونحن محرمون وهو حلال، فأكلنا منه ومعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ". وروى المطلب بن عبد الله بن حنطب عن جابر بن عبد الله قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لحم صيد البر حلال لكم وأنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصطاد لكم ".
وقد روي في إباحته أخبار أخر غير ذلك كرهت الإطالة بذكرها لاتفاق فقهاء الأمصار عليه.
واحتج من حظره بقوله: (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) وعمومه يتناول الاصطياد والمصيد نفسه لوقوع الاسم عليهما، ومن أباحه ذهب إلى قوله: (وحرم عليكم صيد البر) إذ كان يتناول الاصطياد وتحريم المصيد نفسه، فإن هذا الحيوان إنما سمي صيدا ما دام حيا وأما اللحم فغير مسمى بهذا الاسم بعد الذبح، فإن سمي بذلك فإنما يسمى به على أنه كان صيدا، فأما اسم الصيد فليس يجوز أن يقع على اللحم حقيقة. ويدل على أن لفظ الآية لم ينتظم اللحم أنه غير محظور عليه التصرف في اللحم بالإتلاف والشرى والبيع وسائر وجوه التصرف سوى الأكل عند القائلين بتحريم أكله، ولو كان عموم الآية قد اشتمل عليه لما جاز له التصرف فيه بغير الأكل كهو إذا كان حيا ولكان على متلفه إذا كان محرما ضمانه كما يلزم ضمان إتلاف الصيد الحي، لأن قوله تعالى: (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) يتناول تحريم سائر أفعالنا في الصيد في حال الإحرام. فإن قال قائل: بيض الصيد محرم على المحرم وإن لم يكن ممتنعا ولا مسمى صيدا، فكذلك لحمه. قيل له: ليس كذلك، لأن المحرم غير منهي عن إتلاف لحم الصيد ولو أتلفه لم يضمنه، وهو منهي عن إتلاف البيض والفرخ ويلزمه ضمانه.
وأيضا فإن البيض والفرخ قد يصيران صيدا ممتنعا فحكم لهما بحكم الصيد، ولحم الصيد لا يصير صيدا بحال فكان بمنزلة لحوم سائر الحيوانات، إذ ليس بصيد في الحال ولا يجئ منه صيد. وأيضا فإنا لم نحرم الفرخ والبيض بعموم الآية وإنما حرمناهما بالاتفاق.
وقد اختلف في حديث مصعب بن جثامة أنه أهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالأبواء أو غيرها لحم حمار وحش وهو محرم فرده، فرأى في وجهه الكراهة، فقال: " ليس بنا رد عليك ولكنا حرم "، وخالفه مالك، فرواه عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن المصعب بن جثامة، أنه أهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالأبواء أو بودان حمار وحش، فرده عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: " إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم ". قال ابن
(٦٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 597 598 599 600 601 602 603 604 605 606 607 ... » »»