فقال: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبالقرآن إماما وبمحمد نبيا! يا رسول الله كنا حديثي عهد بجاهلية وشرك والله تعالى يعلم من آباؤنا، فسكن غضبه ونزلت هذه الآية: (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم). وروى إبراهيم الهجري عن أبي عياض عن أبي هريرة، أنها نزلت حين سئل عن الحج أفي كل عام؟ وعن أبي أمامة نحو ذلك. وروى عكرمة أنها نزلت في الرجل الذي قال من أبي. وقال سعيد بن جبير: في الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البحيرة والسائبة. وقال مقسم: فيما سألت الأمم أنبياءهم من الآيات.
قال أبو بكر: ليس يمتنع تصحيح هذه الروايات كلها في سبب نزول الآية، فيكون النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: " لا تسألوني عن شئ إلا أجبتكم " سأله عبد الله بن حذافة عن أبيه من هو، لأنه قد كان يتكلم في نسبه، وسأله كل واحد من الذين ذكر عنهم هذه المسائل على اختلافها، فأنزل الله تعالى: (لا تسألوا عن أشياء) يعني عن مثلها، لأنه لم يكن بهم حاجة إليها، فأما عبد الله بن حذافة فقد كان نسبه من حذافة ثابتا بالفراش، فلم يحتج إلى معرفة حقيقة كونه من ماء من هو منه، ولأنه كان لا يأمن أن يكون من ماء غيره فيكشف عن أمر قد ستره الله تعالى ويهتك أمه ويشين نفسه بلا طائل ولا فائدة له فيه، لأن نسبه حينئذ مع كونه من ماء غيره ثابت من حذافة لأنه صاحب الفراش، فلذلك قالت له: لقد عققتني بسؤالك، فقال: لم تسكن نفسي إلا بإخبار النبي صلى الله عليه وسلم بذلك. فهذا من الأسئلة التي كان ضرر الجواب عنها عليه كان كثيرا لو صادف غير الظاهر، فكان منهيا عنه، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أتى شيئا من هذه القاذورات فليستتر بستر الله، فإن من أبدى لنا صحفة أقمنا عليه كتاب الله " وقال لهزال وكان أشار على ماعز بالإقرار بالزنا: " لو سترته بثوبك كان خيرا لك " وكذلك الرجل الذي قال: يا رسول الله أين أنا؟ قد كان غنيا عن هذه المسألة والستر على نفسه في الدنيا، فهتك ستره وقد كان الستر أولى به.
وكذلك المسألة عن الآيات مع ظهور ما ظهر من المعجزات منهي عنها غير سائغ لأحد، لأن معجزات الأنبياء لا يجوز أن تكون تبعا لأهواء الكفار وشهواتهم. فهذا النحو من المسائل مستقبحة مكروهة، وأما سؤال الحج في كل عام، فقد كان على سامع آية الحج الاكتفاء بموجب حكمها من إيجابها حجة واحدة، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنها حجة واحدة ولو قلت نعم لوجبت " فأخبر أنه لو قال نعم لوجبت بقوله دون الآية، فلم يكن به حاجة إلى المسألة مع إمكان الاجتزاء بحكم الآية. وأبعد هذه التأويلات قول من ذكر أنه