إدريس: فقيل لمالك: إن سفيان يقول رجل حمار وحش؟ فقال: ذاك غلام ذاك غلام.
ورواه ابن جريج عن الزهري بإسناد كرواية مالك، وقال فيه: إنه أهدى له حمار وحش.
وروى الأعمش عن حبيب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، أن المصعب بن جثامة أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم حمار وحش وهو محرم، فرده وقال: " لولا أنا حرم لقبلناه منك "، فهذا يدل على وهاء حديث سفيان، وأن الصحيح ما رواه مالك لاتفاق هؤلاء الرواة عليه. وقد روي فيه وجه آخر، وهو ما روى أبو معاوية عن ابن جريج عن جابر بن زيد أبي الشعثاء عن أبيه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن محرم أتي بلحم صيد يأكل منه، فقال: " أحسبوا له " قال أبو معاوية: يعني إن كان صيد قبل أن يحرم فيأكل وإلا فلا. وهذا يحتمل أن يريد به إذا صيد من أجله أو أمر به أو أعانه عليه أو دل عليه ونحو ذلك من الأسباب المحظورة.
قوله تعالى: (جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس) الآية. قيل إنه أراد أنه جعل ذلك قواما لمعايشهم وعمادا لهم، من قولهم: " هو قوام الأمر وملاكه " وهو ما يستقيم به أمره، فهو قوام دينهم ودنياهم. وروي عن سعيد بن جبير قوله: " قواما للناس صلاحا لهم " وقيل: " قياما للناس " أي تقوم به أبدانهم لأمنهم به في التصرف لمعايشهم، فهو قوام دينهم لما في المناسك من الزجر عن القبيح والدعاء إلى الحسن، ولما في الحرم والأشهر الحرم من الأمن، ولما في الحج والمواسم واجتماع الناس من الآفاق فيها من صلاح المعاش، وفي الهدي والقلائد أن الرجل إذا كان معه الهدي مقلدا كانوا لا يعرضون له، وقيل: إن من أراد الإحرام منهم كان يتقلد من لحاء شجر الحرم فيأمن.
وقال الحسن: " القلائد من تقليد الإبل والبقر بالنعال والخفاف " فهذا على صلاح التعبد به في الدين، وهذا يدل على أن تقليد البدن قربة وكذلك سوق الهدي.
والكعبة اسم للبيت الحرام، قال مجاهد وعكرمة: " إنما سميت كعبة لتربيعها "، وقال أهل اللغة: إنما قيل كعبة البيت فأضيفت لأن كعبته تربع أعلاه. وأصل ذلك من الكعوبة وهو النتو، فقيل للتربيع كعبة لنتو زوايا المربع، ومنه كعب ثدي الجارية إذا نتأ، ومنه كعب الانسان لنتوه. وهذا يدل على أن الكعبين اللذين ينتهي إليهما الغسل في الوضوء هما الناتئان عن جنبي أصل الساق. وسمى الله تعالى البيت حراما لأنه أراد الحرم كله لتحريم صيده وخلاه وتحريم قتل من لجأ إليه، وهو مثل قوله تعالى: (هديا بالغ الكعبة) والمراد الحرم.
وأما قوله تعالى: (والشهر الحرام) فإنه روي عن الحسن أنه قال: " هو الأشهر الحرم " فأخرجه مخرج الواحد، لأنه أراد الجنس، وهو أربعة أشهر: ثلاثة سرد وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، وواحد فرد وهو رجب، فأخبر تعالى أنه جعل الشهر الحرام