أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٥٩٨
وثلاثة وأكثر من ذلك. قيل له: هذا الجزاء ينصرف إلى كل واحد منهم، ونحن لا نقول إنه يجب على كل واحد منهم جزاءان وثلاثة وإنما يجب عليه جزاء واحد، والذي يدل على أنه منصرف إلى كل واحد قوله تعالى: (فجزاء مثل ما قتل) ولم يقل: " قتلوا " فدل على أنه أراد واحدا، وقد بينا ذلك في كتاب " شرح المناسك ".
والخصم يحتج علينا بهذه الآية في القارن، فإنه لا يجب عليه إلا جزاء واحد بظاهر الكتاب. والجواب عن هذا أنه محرم عندنا بإحرامين على ما سنذكره في موضعه، وإذا صح لنا ذلك ثم أدخل النقص عليهما وجب أن يجبرهما بدمين.
قال أبو بكر: ولا خلاف بين الفقهاء أن الهدي لا يجزي إلا بمكة، وأن بلوغه الكعبة أن يذبحه هناك في الحرم، وأنه لو هلك بعد دخوله الحرم قبل أن يذبحه أن عليه هديا آخر غيره. وقال أصحابنا: إذا ذبحه في الحرم بعد بلوغ الكعبة فإن سرق بعد ذلك لم يكن عليه شئ لأن الصدقة تعينت فيه بالذبح، فصار كمن قال لله علي أن أتصدق بهذا اللحم، فسرق فلا يلزمه شئ. واتفق الفقهاء أيضا على جواز الصوم في غير مكة، واختلفوا في الطعام، فقال أصحابنا: " يجوز أن يتصدق به حيث شاء "، وقال الشافعي:
" لا يجزي إلا أن يعطي مساكين مكة ". والدليل على جوازه حيث شاء قوله تعالى: (أو كفارة طعام مساكين) وذلك عموم في سائرهم، وغير جائز تخصيصه بمكان إلا بدلالة، ومن قصره على مساكين مكة فقد خص الآية بغير دليل. وأيضا ليس في الأصول صدقة مخصوصة بمكان لا يجوز أداؤها في غيره، فلما كان ذلك صدقة وجب جوازها في سائر المواضع قياسا على نظائرها من الصدقات، ولأن تخصيصه بمكان خارج عن الأصول، وما خرج عن الأصول وظاهر الكتاب من الأقاويل فهو ساقط مرذول.
فإن قال قائل: فالهدي سبيله الصدقة وهو مخصوص بالحرم. قيل له: ذبحه مخصوص بالحرم، فأما الصدقة فحيث شاء، وكذلك قال أصحابنا أنه لو ذبحه في الحرم ثم أخرجه فتصدق به في غيره أجزأه. وأيضا لما اتفقوا على جواز الصيام في غير مكة وهو جزاء للصيد وليس بذبح، وجب مثله في الطعام لهذه العلة.
باب صيد البحر قال الله تعالى: (أحل لكم صيد البحر وطعامه). وروي عن ابن عباس وزيد بن ثابت وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب وقتادة والسدي ومجاهد قالوا: " صيده ما صيد طريا بالشباك ونحوها ". فأما قوله: (وطعامه) فقد روي عن أبي بكر وعمر وابن عباس
(٥٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 593 594 595 596 597 598 599 600 601 602 603 ... » »»