أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٦١١
مطلب: في ذم الحجاج الظالم ولعمري إن أيام عبد الملك والحجاج والوليد وأضرابهم كانت من الأيام التي سقط فيها فرض الانكار عليهم بالقول واليد لتعذر ذلك والخوف على النفس، وقد حكي أن الحجاج لما مات قال الحسن: " اللهم أنت أمته فاقطع عنا سنته فإنه أتانا أخيفش أعيمش يمد بيد قصيرة البنان والله ما عرق فيها عنان في سبيل الله عز وجل، يرجل جمته ويخطر في مشيته ويصعد المنبر فيهذر حتى تفوته الصلاة، لا من الله يتقي ولا من الناس يستحي، فوقه الله وتحته مائة ألف أو يزيدون لا يقول له قائل الصلاة أيها الرجل " ثم قال الحسن:
" هيهات والله! حال دون ذلك السيف والسوط ". وقال عبد الملك بن عمير: " خرج الحجاج يوم الجمعة بالهاجرة فما زال يعبر مرة عن أهل الشام يمدحهم ومرة عن أهل العراق يذمهم حتى لم نر من الشمس إلا حمرة على شرف المسجد، ثم أمر المؤذن فأذن فصلى بنا الجمعة، ثم أذن فصلى بنا العصر، ثم أذن فصلى بنا المغرب، فجمع بين الصلوات يومئذ ". فهؤلاء السلف كانوا معذورين في ذلك الوقت في ترك النكير باليد واللسان، وقد كان فقهاء التابعين وقراؤهم خرجوا عليه مع ابن الأشعث إنكارا منهم لكفره وظلمه وجوره، فجرت بينهم تلك الحروب المشهورة وقتل منهم من قتل ووطئهم بأهل الشام حتى لم يبقى أحد ينكر عليه شيئا يأتيه إلا بقلبه، وقد روى ابن مسعود في ذلك ما حدثنا جعفر بن محمد قال: حدثنا جعفر بن محمد بن اليمان قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن عبد الله بن مسعود، أنه ذكر عنده هذه الآية: (عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) فقال: لم يجئ تأويلها بعد، إن القرآن أنزل حين أنزل ومنه آي قد مضى تأويلهن قبل أن ينزلن، وكان منه آي وقع تأويلهن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ومنه آي وقع تأويلهن بعد النبي صلى الله عليه وسلم بيسير، ومنه آي يقع تأويلهن بعد اليوم، ومنه آي يقع تأويلهن عند الساعة، ومنه آي يقع تأويلهن يوم الحساب من الجنة والنار، قال: فما دامت قلوبكم واحدة وأهواؤكم واحدة ولم تلبسوا شيعا ولم يذق بعضكم بأس بعض فأمروا بالمعروف
(٦١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 606 607 608 609 610 611 612 613 614 615 616 ... » »»