وقوله تعالى: (فاخشوهم فزادهم إيمانا)، فيه إخبار بزيادة يقينهم عند زيادة الخوف والمحنة، إذ لم يبقوا على الحال الأولى بل ازدادوا عند ذلك يقينا وبصيرة في دينهم، وهو كما قال تعالى في الأحزاب: (ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما) [الأحزاب: 22] فازدادوا عند معاينة العدو إيمانا وتسليما لأمر الله تعالى والصبر على جهادهم. وفي ذلك أتم ثناء على الصحابة رضي الله عنهم وأكمل فضيلة، وفيه تعليم لنا أن نقتدي بهم ونرجع إلى أمر الله والصبر عليه والاتكال عليه، وأن نقول حسبنا الله ونعم الوكيل، وإنا متى فعلنا ذلك أعقبنا ذلك من الله النصر والتأييد وصرف كيد العدو وشرهم مع حيازة رضوان الله وثوابه بقوله تعالى: (فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله).
وقوله تعالى: (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله) إلى قوله:
(سيطوقون ما بخلو به)، قال السدي: " بخلوا أن ينفقوا في سبيل الله وأن يؤدوا الزكاة "، وقال ابن عباس: هو في أهل الكتاب بخلوا أن يبينوه للناس ". وهو بالزكاة أولى، كقوله: (والذين يكنزون الذهب والفضة) [التوبة: 34] إلى قوله: (يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم) [التوبة: 35]، وقوله تعالى:
(سيطوقون ما بخلوا به) يدل على ذلك أيضا.
وروى سهل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاة كنزه إلا جئ به يوم القيامة وبكنزه فيحمى بها جبينه وجبهته حتى يحكم الله بين عباده ". وقال مسروق: " يجعل الحق الذي منعه حية فيطوقها فيقول مالي ومالك فتقول الحية أنا مالك ". وقال عبد الله: " يطوق ثعبانا في عنقه له أسنان فيقول أنا ملك الذي بخلت به ".
قوله تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس)، قد تقدم نظيرها في سورة البقرة، وقد روي في ذلك عن ابن عباس وسعيد بن جبير والسدي: " أن المراد به اليهود "، وقال غيرهم: " المراد به اليهود والنصارى "، وقال الحسن وقتادة:
" المراد به كل من أوتي علما فكتمه "، قال أبو هريرة: لولا آية من كتاب الله تعالى ما حدثتكم به، ثم تلا قوله: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب). فيعود الضمير في قوله (لتبيننه) في قول الأولين على النبي صلى الله عليه وسلم، لأنهم كتموا صفته وأمره، وفي قوله الآخرين على الكتاب، فيدخل فيه بيان أمر النبي صلى الله عليه وسلم وسائر ما في كتب الله عز وجل.
قوله تعالى: (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي