أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٦٧
جد، فدل على أن تزويج غير الأب والجد جائز للصغيرين، والثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فعل ذلك وقد قال الله تعالى: (فاتبعوه) [الأنعام: 153 و 155] فعلينا اتباعه، فيدل على أن للقاضي تزويج الصغيرين، وإذا جاز ذلك للقاضي جاز لسائر الأولياء لأن أحدا لم يفرق بينهما. ويدل عليه أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا نكاح إلا بولي "، فأثبت النكاح إذا كان بولي، والأخ وابن العم أولياء، والدليل عليه أنها لو كانت كبيرة كانوا أولياء في النكاح. ويدل عليه من طريق النظر اتفاق الجميع على أن الأب والجد إذا لم يكونا من أهل الميراث بأن كانا كافرين أو عبدين لم يزوجا، فدل على أن هذه الولاية مستحقة بالميراث، فكل من كان أهل الميراث فله أن يزوج الأقرب فالأقرب، ولذلك قال أبو حنيفة: " إن للأم ومولى الموالاة أن يزوجوا إذا لم يكن أقرب منهم لأنهم من أهل الميراث ".
فإن قيل: لما كان في النكاح مال وجب أن لا يجوز عقد من لا يجوز تصرفه في المال. قيل له: إن المال يثبت في النكاح من غير تسمية فلا اعتبار فيه بالولاية في المال، ألا ترى أن عند من لا يجيز النكاح بغير ولي فللأولياء حق في التزويج وليست لهم ولاية في المال على الكبيرة؟ ويلزم مالكا والشافعي أن لا يجيزا تزويج الأب لابنته البكر الكبيرة إذ لا ولاية له عليها في المال، فلما جاز عند مالك والشافعي لأب البكر الكبيرة تزويجها بغير رضاها مع عدم ولايته عليها في المال دل ذلك على أنه لا اعتبار في استحقاق الولاية في عقد النكاح بجواز التصرف في المال، ولما ثبت بما ذكرنا من دلالة الآية جواز تزويج ولي الصغيرة إياها من نفسه دل على أن لولي الكبيرة أن يزوجها من نفسه برضاها. ويدل أيضا على أن العاقد للزوج والمرأة يجوز أن يكون واحدا بأن يكون وكيلا لهما كما جاز لولي الصغيرة أن يزوجها من نفسه، فيكون الموجب للنكاح والقابل له واحدا. ويدل أيضا على أنه إذا كان وليا لصغيرين ثم جاز له أن يزوج أحدهما من صاحبه. فالآية دالة من هذه الوجوه على بطلان مذهب الشافعي في قوله: " إن الصغيرة لا يزوجها غير الأب والجد " وفي قوله: " إنه لا يجوز لولي الكبيرة أن يتزوجها برضاها بغير محضر منها "، ويدل على بطلان قوله في أنه لا يجوز أن يكون رجل واحد وكيلا لهما جميعا في عقد النكاح عليهما. وإنما قال أصحابنا إنه لا يجوز للوصي تزويج الصغيرة، من قبل قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا نكاح إلا بولي "، والوصي ليس بولي لها، ألا ترى أن قوله: (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) [الإسراء: 33]، فلو وجب لها قود لم يكن الوصي لها وليا في ذلك ولم يستحق الولاية فيه؟ فثبت أن الوصي لا يقع عليه اسم الولي، فواجب أن لا يجوز تزويجه إياها إذ ليس بولي لها.
فإن قيل: فواجب على هذا أن لا يكون الأخ أو العم وليا للصغيرة لأنهما لا
(٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 ... » »»