أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٤٤٨
فإن قيل: لما كان بعضه منوطا ببعض حتى لا يصح لبعضه حكم إلا بجميعه أشبه أفعال الصلاة. قيل له: هذا منتقض بالحج، لأن بعضه منوط ببعض، ألا ترى أنه لو لم يقف بعرفة بطل إحرامه وطوافه الذي قدمه ولم يجب من أجل ذلك متابعة أفعاله؟ وأيضا فإنه قد ثبت لغسل بعض الأعضاء حكم دون بعض، ألا ترى أنه لو كان بذراعه عذر لسقط فرض طهارته عنه؟ وليس كذلك الصلاة لأن أفعالها كلها منوطة بعضها ببعض، فإما أن يسقط جميعها أو يثبت جميعها على الحال التي يمكن فعلها، فمن حيث جاز سقوط بعض أعضاء الطهارة وبقي البعض أشبه الصلاة والزكاة وسائر العبادات إذا اجتمع وجوبها عليه فيجوز تفريقها عليه. وأيضا فإن الصلاة إنما لزم فيها الموالاة من غير فصل لأنه يدخل فيها بتحريمة ولا يصح بناء أفعالها إلا على التحريمة التي دخل بها في الصلاة، فمتى أبطل التحريمة بكلام أو فعل لم يصح له بناء باقي أفعالها بغير تحريمة، والطهارة لا تحتاج إلى تحريمة، ألا ترى أنه يصح في أضعافها الكلام وسائر الأفعال ولا يبطلها ذلك؟
وإنما شرط فيه من قال ذلك عدم جفاف العضو قبل إتمام الطهارة وجفاف العضو لا تأثير له في حكم رفع الطهارة، ألا ترى أن جفاف جميع الأعضاء لا يؤثر في رفعها؟
كذلك جفاف بعضها. وأيضا فلو كان هذا تشبيها صحيحا وقياسا مستقيما لما صح في هذا الموضع، إذ غير جائز الزيادة في النص بالقياس فلا مدخل للقياس ههنا. وأيضا فإنه لا خلاف أنه لو كان في الشمس ووالى بين الوضوء إلا أنه كان يجف العضو منه قبل أن يغسل الآخر أنه لا يوجب ذلك بطلان الطهارة، كذلك إذا جف بتركه إلى أن يغسل الآخر.
فصل مطلب: فيما تمسك به القائلون بفرض التسمية على الوضوء وجواب المصنف عن ذلك وقوله تعالى: (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) الآية، يدل على أن التسمية على الوضوء ليست بفرض لأنه أباح الصلاة بغسل هذه الأعضاء من غير شرط التسمية، وهو قول أصحابنا وسائر فقهاء الأمصار. وحكي عن بعض أصحاب الحديث أنه رآها فرضا في الوضوء، فإن تركها عامدا لم يجزه وإن تركها ناسيا أجزأه. ويدل على جوازه قوله تعالى: (وأنزلنا من السماء ماء طهورا) [الفرقان: 48] فعلق صحة الطهارة بالفعل من غير ذكر التسمية شرطا فيه، فمن شرطها فهو زائد في حكم هذه الآيات ما ليس منها وناف لما أباحته من جواز الصلاة بوجود الغسل. ويدل عليه من جهة السنة
(٤٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 443 444 445 446 447 448 449 450 451 452 453 ... » »»