أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٤٣٧
ذكر الخلاف في المسح على الخفين قال: أصحابنا جميعا والثوري والحسن بن صالح والأوزاعي والشافعي: " يمسح المقيم على الخفين يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليها ". وروي عن مالك والليث:
" أنه لا وقت للمسح على الخفين، إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان يمسح ما بدا له "، قال مالك: " والمقيم والمسافر في ذلك سواء "، وأصحابه يقولون: هذا هو الصحيح من مذهبه، وروى عنه ابن القاسم: " أن المسافر يمسح ولا يمسح المقيم "، وروى ابن القاسم أيضا عن مالك أنه ضعف المسح على الخفين. قال أبو بكر: قد ثبت المسح على الخفين عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق التواتر والاستفاضة من حيث يوجب العلم، ولذلك قال أبو يوسف: إنما يجوز نسخ القرآن بالسنة إذا وردت كورود المسح على الخفين في الاستفاضة. وما دفع أحد من الصحابة من حيث نعلم المسح على الخفين، ولم يشك أحد منهم في أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مسح، وإنما اختلف في وقت مسحه أكان قبل نزول المائدة أو بعدها؟ فروي المسح موقتا للمقيم يوما وليلة وللمسافر ثلاثة أيام ولياليها عن النبي صلى الله عليه وسلم عمر وعلي وصفوان بن عسال وخزيمة بن ثابت وعوف بن مالك وابن عباس وعائشة، ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم غير موقت سعد بن أبي وقاص وجرير بن عبد الله البجلي وحذيفة بن اليمان والمغيرة بن شعبة وأبو أيوب الأنصاري وسهل بن سعد وأنس بن مالك وثوبان وعمرو بن أمية عن أبيه وسليمان بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم. وروى الأعمش عن إبراهيم عن همام عن جرير بن عبد الله قال: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على خفيه ". قال الأعمش: قال إبراهيم: كانوا معجبين بحديث جرير لأنه أسلم بعد نزول المائدة. ولما كان ورود هذه الأخبار على الوجه الذي ذكرنا من الاستفاضة مع كثرة عدد ناقليها وامتناع التواطؤ والسهو والغفلة عليهم فيها، وجب استعمالها مع حكم الآية، وقد بينا أن في الآية احتمالا للمسح، فاستعملناه في حال لبس الخفين واستعملنا الغسل في حال ظهور الرجلين، فلا فرق بين أن يكون مسح النبي صلى الله عليه وسلم قبل نزول المائدة أو بعدها، من قبل أنه إن كان مسح قبل نزول الآية فالآية مرتبة عليه غير ناسخة له لاحتمالها ما يوجب موافقته من المسح في حال لبس الخفين، ولأنه لو لم يكن فيها احتمال لموافقة الخبر لجاز أن تكون مخصوصة به فيكون الأمر بالغسل خاصا في حال ظهور الرجلين دون حال لبس الخفين، وإن كانت الآية متقدمة للمسح فإنما جاز المسح لموافقة ما احتملته الآية، ولا يكون ذلك نسخا ولكنه بيان للمراد بها، وإن كان جائزا نسخ الآية بمثله لتواتره وشيوعه. ومن حيث ثبت المسح على الخفين ثبت التوقيت فيه للمقيم والمسافر على ما بينا، لأن بمثل الأخبار الواردة في المسح مطلقا ثبت التوقيت أيضا، فإن بطل التوقيت بطل المسح وإن ثبت المسح ثبت التوقيت.
(٤٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 432 433 434 435 436 437 438 439 440 441 442 ... » »»