أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٤٤٣
الإناء قبل أن يغسلها، وهذا يدل على أن غسل اليد قبل إدخالها الإناء استحباب ليس بإيجاب وأن ما في حديث علي وحديث أبي هريرة في غسل اليد قبل إدخالها الإناء ندب، وحديث أبي هريرة في ذلك ظاهر الدلالة على أنه لم يرد به الإيجاب وأنه أراد الاحتياط مما عسى أن يكون قد أصابت يده موضع الاستنجاء، وهو قوله: " فإنه لا يدري أين باتت يده " فأخبر أن كون النجاسة على يده ليس بيقين، ومعلوم أن يده قد كانت طاهرة قبل النوم، فهي على أصل طهارتها، كمن كان على يقين من الطهارة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم عند الشك أن يبنى على يقين من الطهارة ويلغي الشك، فدل ذلك على أن أمره إذا استيقظ من نومه بغسل يديه قبل إدخالهما الإناء استحباب ليس بإيجاب.
وقد ذكر إبراهيم النخعي أن أصحاب عبد الله كانوا إذا ذكر لهم حديث أبي هريرة في أمر المستيقظ من نومه بغسل يديه قبل إدخالهما الإناء قالوا: إن أبا هريرة كان مهذارا فما يصنع بالمهراس! وقال الأشجعي لأبي هريرة: فما تصنع بالمهراس؟ فقال: أعوذ بالله من شرك. والذي أنكره أصحاب عبد الله من قول أبي هريرة اعتقاده الإيجاب فيه، لأنه كان معلوما أن المهراس الذي كان بالمدينة قد كان يتوضأ منه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده فلم ينكره أحد، ولم يكن الوضوء منه إلا بإدخال اليد فيه، فاستنكر أصحاب عبد الله اعتقاد الوجوب فيه مع ظهور الاغتراف منه باليد من غير نكير من أحد منهم عليه، ولم يدفعوا عندنا روايته وإنما أنكروا اعتقاد الوجوب.
واختلف الفقهاء في مسح الأذنين مع الرأس، فقال أصحابنا: " هما من الرأس تمسحان معه "، وهو قول مالك والثوري والأوزاعي، ورواه أشهب عن مالك، وكذلك رواه ابن القاسم عنه وزاد: " وإنهما تمسحهما بماء جديد ". وقال الحسن بن صالح:
" يغسل باطن أذنيه مع وجهه ويمسح ظاهرهما مع رأسه ". وقال الشافعي: " يمسحهما بماء جديد وهما سنة على حيالهما لا من الوجه ولا من الرأس ". والدليل على أنهما من الرأس وتمسحان معه ما حدثنا عبيد الله بن الحسين قال: حدثنا أبو مسلم قال: حدثنا أبو عمر عن حماد بن زيد عن سنان بن ربيعة عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فغسل كفيه ثلاثا وطهر وجهه ثلاث وذراعيه ثلاثا ومسح برأسه وأذنيه وقال: " الأذنان من الرأس ". وأخبرنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا أحمد بن النضر بن بحر قال: حدثنا عامر بن سنان قال: حدثنا زياد بن علاقة عن عبد الحكم عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الأذنان من الرأس ما أقبل منهما وما أدبر ". وروى ابن عباس وأبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله أيضا.
(٤٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 438 439 440 441 442 443 444 445 446 447 448 ... » »»