أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٤٤١
يثبت عنه مسح العمامة من جهة التواتر لم يجز المسح عليها من وجهين، أحدهما: أن الآية تقتضي مسح الرأس، فغير جائز العدول عنه إلا بخبر يوجب العلم. والثاني: عموم الحاجة إليه، فلا يقبل في مثله إلا المتواتر من الأخبار. وأيضا حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ مرة مرة وقال: " هذا وضوء من لا يقبل الله له صلاة إلا به " ومعلوم أنه مسح برأسه، لأن مسح العمامة لا يسمى وضوءا، ثم نفى جواز الصلاة إلا به. وحديث عائشة الذي قدمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة ومسح برأسه ثم قال: " هذا الوضوء الذي افترض الله علينا "، فأخبر أن مسح الرأس بالماء هو المفروض علينا فلا تجزي الصلاة إلا به.
وإن احتجوا بما روى بلال والمغيرة بن شعبة: " أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين والعمامة " وما روى راشد بن سعد عن ثوبان قال: " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سريه فأصابهم البرد، فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين ". قيل لهم: هذه أخبار مضطربة الأسانيد وفيها رجال مجهولون، ولو استقامت أسانيدها لما جاز الاعتراض بمثلها على الآية، وقد بينا في حديث المغيرة بن شعبة أنه مسح على ناصيته وعمامته، وفي بعضها: على جانب عمامته، وفي بعضها: وضع يده على عمامته، فأخبر أنه فعل المفروض في مسح الناصية ومسح على العمامة، وذلك جائز عندنا ويحتمل ما رواه بلال ما بين في حديث المغيرة. وأما حديث ثوبان فمحمول على معنى حديث المغيرة أيضا بأن مسحوا على بعض الرأس وعلى العمامة. والله أعلم.
باب الوضوء مرة مرة قال الله تعالى: (فاغسلوا وجوهكم) الآية. الذي يقتضيه ظاهر اللفظ غسلها مرة واحدة، إذ ليس فيها ذكر العدد فلا يوجب تكرار الفعل، فمن غسل مرة فقد أدى الفرض. وبه وردت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم، منها حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة وقال: " هذا الوضوء الذي افترض الله علينا ". وروى ابن عباس وجابر: " أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة "، وقال أبو رافع: " توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا ثلاثا ومرة مرة ". قال أبو بكر: فما نص الله تعالى عليه في هذه الآية هو فرض الوضوء على ما بيناه، وفيه أشياء مسنونة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ما حدثنا عبد الله بن الحسن قال: حدثنا أبو مسلم قال:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا زائدة قال: حدثنا خالد بن علقمة عن عبد الخير قال: دخل على الرحبة بعد ما صلى الفجر، فجلس في الرحبة ثم قال لغلامه: ايتني بطهور! فأتاه الغلام بإناء وطست - قال عبد الخير: ونحن جلوس ننظر إليه - فأخذ بيده اليمنى الإناء
(٤٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 436 437 438 439 440 441 442 443 444 445 446 ... » »»