حظ للنظر مع الأثر، فإن كانت أخبار التوقيت ثابتة فالنظر معها ساقط، وإن كانت غير ثابتة فالكلام حينئذ ينبغي أن يكون في إثباتها، وقد ثبت التوقيت بالأخبار المستفيضة من حيث لا يمكن دفعها. وأيضا فإن الفرق بينهما ظاهر من طريق النظر، وهو أن مسح الرأس هو المفروض في نفسه وليس ببدل عن غيره، والمسح على الخفين يدل عن الغسل مع إمكانه من غير ضرورة، فلم يجز إثباته بدلا إلا في المقدار الذي ورد به التوقيت.
مطلب: المسح على الجبيرة مستحب عند أبي حنيفة فإن قيل: قد جاز المسح على الجبائر بغير توقيت وهو بدل عن الغسل. قيل له:
أما على مذهب أبي حنيفة فهذا السؤال ساقط، لأنه لا يوجب المسح على الجبائر، وهو عنده مستحب تركه لا يضر. وعلى قول أبي يوسف ومحمد أيضا لا يلزم، لأنه إنما يفعله عند الضرورة كالتيمم والمسح على الخفين جائز بغير ضرورة، فلذلك اختلفا.
فإن قيل: ما أنكرت أن يكون جواز المسح مقصورا على السفر لأن الأخبار وردت فيه، وأن لا يجوز في الحضر لما روي أن عائشة سئلت عن ذلك فقالت: " سلوا عليا فإنه كان معه في أسفاره "، وهذا يدل على أنه لم يمسح في الحضر، لأن مثله لا يخفى على عائشة؟ قيل له: يحتمل أن تكون سئلت عن توقيت المسح للمسافر فأحالت به على علي رضي الله عنه. وأيضا فإن عائشة أحد من روى توقيت المسح للمسافر والمقيم جميعا.
وأيضا فإن الأخبار التي فيها توقيت مسح المسافر فيها توقيته للمقيم، فإن ثبت للمسافر ثبت للمقيم.
فإن قيل: قد تواترت الأخبار بغسله في الحضر وقوله: " ويل للعراقيب من النار ".
قيل له: إنما ذلك في حال ظهور الرجلين. فإن قيل: جائز أن يختص حال السفر بالتخفيف دون حال الحضر كالقصر والتيمم والإفطار. قيل له: لم نبح المسح للمقيم ولا للمسافر قياسا، وإنما أبحناه بالآثار، وهي متساوية فيما يقتضيه من المسح في السفر والحضر، فلا معنى للمقايسة.
واختلف الفقهاء أيضا في المسح من وجه آخر، فقال أصحابنا: " إذا غسل رجليه ولبس خفيه ثم أكمل الطهارة قبل الحدث أجزأه أن يمسح إذا أحدث "، وهو قول الثوري، وروي عن مالك مثله. وذكر الطحاوي عن مالك والشافعي: " أنه لا يجزيه إلا أن يلبس خفيه بعد إكمال الطهارة ". ودليل أصحابنا عموم قوله صلى الله عليه وسلم: " يمسح المقيم يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليها " ولم يفرق بين لبسه قبل إكمال الطهارة وبعدها. وروى