أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٤٣٦
ممسوحة غير مغسولة. قيل له: فهذا يوجب أن لا يكون الغسل مرادا، ولا خلاف أنه إذا غسل فقد فعل المفروض، ولم تختلف الأمة أيضا في نقل الغسل عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأيضا فإن غسل البدن كله يسقط في الجنابة إلى التيمم عند عدم الماء، وقام التيمم في هذين العضوين مقام غسل سائر الأعضاء، كذلك جائز أن يقوم مقام غسل الرجلين وإن لم يجب التيمم فيها.
فصل وقد اختلف في الكعبين ما هما، فقال جمهور أصحابنا وسائر أهل العلم: " هما الناتئان بين مفصل القدم والساق ". وحكى هشام عن محمد: " أنه مفصل القدم الذي يقع عليه عقد الشراك على ظهر القدم ". والصحيح هو الأول، لأن الله تعالى قال: (وأرجلكم إلى الكعبين) فدل ذلك أن في كل رجل كعبين، ولو كان في كل رجل كعب واحد لقال: إلى الكعاب، كما قال تعالى: (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما) [التحريم:
4] لما كان لكل واحد قلب واحد أضافهما إليهما بلفظ الجمع، فلما أضافهما إلى الأرجل بلفظ التثنية دل على أن في كل رجل كعبين.
مطلب: فيما استدل به المصنف من الحديث على المراد بالكعبين ويدل عليه أيضا ما حدثنا من لا أتهم قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن شيرويه قال: حدثنا إسحاق بن راهويه قال: حدثنا الفضل بن موسى عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد عن جامع بن شداد عن طارق بن عبد الله المحاربي قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في سوق ذي المجاز وعليه جبة حمراء وهو يقول: " يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا " ورجل يتبعه ويرميه بالحجارة وقد أدمى عرقوبيه وكعبيه، وهو يقول: يا أيها الناس لا تطيعوه فإنه كذاب، فقلت: من هذا؟ فقالوا: ابن عبد المطلب، قلت: فمن هذا الذي يتبعه ويرميه بالحجارة؟ قالوا: هذا عبد العزى أبو لهب. وهذا يدل على أن الكعب هو العظم الناتئ في جانب القدم، لأن الرمية إذا كانت من وراء الماشي لا يضرب ظهر القدم. قال: وحدثنا عبد الله بن محمد بن شيرويه قال: حدثنا إسحاق قال: أخبرنا وكيع قال: حدثنا زكريا بن أبي زائدة عن القاسم الجدلي قال: سمعت النعمان بن بشير يقول:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم أو وجوهكم قال:
فلقد رأيت الرجل منا يلزق كعبه بكعب صاحبه ومنكبه بمنكب صاحبه. وهذا يدل على أن الكعب ما وصفنا، والله أعلم.
(٤٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 431 432 433 434 435 436 437 438 439 440 441 ... » »»