" وحور عين " فخفضهن بالمجاورة وهن معطوفات في المعنى على الولدان، لأنهن يطفن ولا يطاف بهن، وكما قال الشاعر:
فهل أنت إن ماتت أتانك راكب * لا آل بسطام بن قيس فخاطب فخفض " خاطبا " بالمجاورة، وهو معطوف على المرفوع من قوله: " راكب " والقوافي مجرورة، ألا ترى إلى قوله:
فنل على مثلها في مثلهم أو فلمهم * على دارمي بين ليلى وغالب فثبت بما وصفنا احتمال كل واحدة من القراءتين للمسح والغسل، فلا يخلو حينئذ القول من أحد معان ثلاثة: إما أن يقال إن المراد هما جميعا مجموعان، فيكون عليه أن يمسح ويغسل فيجمعهما. أو أن يكون أحدهما على وجه التخيير يفعل المتوضئ أيهما شاء، ويكون ما يفعله هو المفروض. أو يكون المراد أحدهما بعينه لا على وجه التخيير.
وغير جائز أن يكونا هما جميعا على وجه الجمع لاتفاق الجميع على خلافه، ولا جائز أيضا أن يكون المراد أحدهما على وجه التخيير إذ ليس في الآية ذكر التخيير ولا دلالة عليه، ولو جاز إثبات التخيير مع عدم لفظ التخيير في الآية لجاز إثبات الجمع مع عدم لفظ الجمع، فبطل التخيير بما وصفنا. وإذا انتفى التخيير والجمع لم يبق إلا أن يكون المراد أحدهما لا على وجه التخيير، فاحتجنا إلى طلب الدليل على المراد منهما، فالدليل على أن المراد الغسل دون المسح اتفاق الجميع على أنه إذا غسل فقد أدى فرضه وأتى بالمراد وأنه غير ملوم على ترك المسح، فثبت أن المراد الغسل. وأيضا فإن اللفظ لما وقف الموقف الذي ذكرنا من احتماله لكل واحد من المعنيين مع اتفاق الجميع على أن المراد أحدهما، صار في حكم المجمل المفتقر إلى البيان، فمهما ورد فيه من البيان عن الرسول صلى الله عليه وسلم من فعل أو قول علمنا أنه مراد الله تعالى، وقد ورد البيان عن الرسول صلى الله عليه وسلم بالغسل قولا وفعلا، فأما وروده من جهة الفعل فهو ما ثبت بالنقل المستفيض المتواتر:
" أن النبي صلى الله عليه وسلم غسل رجليه في الوضوء ". ولم تختلف الأمة فيه، فصار فعله ذلك واردا مورد البيان، وفعله إذا ورد على وجه البيان فهو على الوجوب، فثبت أن ذلك هو مراد الله تعالى بالآية. وأما من جهة القول فما روى جابر وأبو هريرة وعائشة وعبد الله بن عمر وغيرهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى قوما تلوح أعقابهم لم يصبها الماء، فقال: " ويل للأعقاب من النار! أسبغوا الوضوء! " وتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم مرة مرة، فغسل رجليه وقال: " هذا وضوء من لا