سورة المائدة بسم الله الرحمن الرحيم مطلب: في عقود الجاهلية وعقود الاسلام قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) روي عن ابن عباس ومجاهد ومطرف والربيع والضحاك والسدي وابن جريج والثوري قالوا: " العقود في هذا الموضع أراد بها العهود ". وروى معمر عن قتادة قال: " هي عقود الجاهلية الحلف ". وروى جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا حلف في الاسلام وأما حلف الجاهلية فلم يزده الاسلام إلا شدة ". وروى ابن عيينة عن عاصم الأحول قال: سمعت أنس بن مالك يقول:
حالف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار في دارنا، فقيل له: قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" لا حلف في الاسلام وما كان في الجاهلية فلم يزده الاسلام إلا شدة " فقال: حالف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار في دارنا. قال ابن عيينة: " إنما آخى بين المهاجرين والأنصار ".
قال أبو بكر: قال الله تعالى: (والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) [النساء:
33] فلم يختلف المفسرون أنهم في أول الاسلام قد كانوا يتوارثون بالحلف دون النسب وهو معنى قوله: (والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) [النساء: 33] إلى أن جعل الله ذوي الأرحام أولى من الحليف بقوله: (وألوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين) [الأنفال: 75]، فقد كان حلف الاسلام على التناصر والتوارث ثابتا صحيحا. وأما قوله: " لا حلف في الاسلام " فإنه جائز أن يريد به الحلف على الوجوه التي كان عليها الحلف في الجاهلية، وكان هذا القول منه بعد نسخ التوارث بالحلف. وقد كان حلف الجاهلية على وجوه: منها الحلف في التناصر، فيقول أحدهما لصاحبه إذا حالفه: " دمي دمك وهدمي هدمك وترثني وأرثك " فيتعاقدان الحلف على أن ينصر كل واحد منهم صاحبه فيدفع عنه ويحميه بحق كان ذلك أو بباطل، ومثله لا يجوز في الاسلام لأنه لا يجوز أن يتعاقدا الحلف على أن ينصره على الباطل، ولا أن يزوي