أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٣٦٧
ويقول: " بمثلهن بمثلهن إياكم والغلو في الدين، فإنما هلك من قبلكم بالغلو في دينهم "، ولذلك قيل: دين الله بين المقصر والغالي.
قوله تعالى: (وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه) قيل في وصف المسيح بأنه كلمة الله ثلاثة أوجه: أحدها ما روي عن الحسن وقتادة أنه كان عيسى بكلمة الله، وهو قوله:
(كن فيكون) [البقرة: 117] لا على سبيل ما أجري العادة به من حدوثه من الذكر والأنثى جميعا. والثاني: أنه يهتدى به كما يهتدى بكلمة الله. والثالث: ما تقدم من البشارة به في الكتب المتقدمة التي أنزلها الله تعالى على أنبيائه. وأما قوله تعالى: (وروح منه) فلأنه كان بنفخة جبريل بإذن الله، والنفخ يسمى روحا، كقوله ذي الرمة.
فقلت له أرفعها إليك وأحيها * بروحك واقتته لها قيتة قدرا أي بنفخك. وقيل: إنما سماه روحا لأنه يحيى الناس به كما يحيون بالأرواح، ولهذا المعنى سمي القرآن روحا في قوله: (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا) [الشورى: 52]. وقيل: لأنه روح من الأرواح كسائر أرواح الناس، وأضافه الله تعالى إليه تشريفا له، كما يقال: بيت الله، وسماء الله.
قوله: (يبين الله لكم أن تضلوا) قيل فيه: إنه بمعنى: لئلا تضلوا، فحذف " لا " كما تحذف مع القسم في قولك: والله أبرح قاعدا، أي لا أبرح، قال الشاعر:
تالله يبقى على الأيام ذو حيد معناه: لا يبقى. وقيل: يبين الله لكم كراهة أن تضلوا، كقوله تعالى: واسأل القرية) [يوسف: 82] يعني أهل القرية.
(٣٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 362 363 364 365 366 367 368 369 370 371 372 ... » »»