أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٣٧٢
ما يتناوله اسم العقود، فمتى اختلفنا في جواز عقد أو فساده وفي صحة نذر ولزومه صح الاحتجاج بقوله تعالى: (أوفوا بالعقود) لاقتضاء عمومه جواز جميعها من الكفالات والإجازات والبيوع وغيرها. ويجوز الاحتجاج به في جواز الكفالة بالنفس وبالمال وجواز تعلقها على الأخطار، لأن الآية لم تفرق بين شئ منها. وقوله صلى الله عليه وسلم: " والمسلمون عند شروطهم " في معنى قول الله تعالى: (أوفوا بالعقود) وهو عموم في إيجاب الوفاء بجميع ما يشرط الانسان على نفسه ما لم تقم دلالة تخصصه.
مطلب: النذر على ثلاثة أنحاء فإن قيل: هل يجب على كل من عقد على نفسه يمينا أو نذرا أو شرطا لغيره الوفاء بشرطه ويكون عقده لذلك على نفسه يلزمه ما شرطه وأوجبه؟ قيل له: أما النذور فهي على ثلاثة أنحاء: منها نذر قربة، فيصير واجبا بنذره بعد أن كان فعله قربة غير واجب، لقوله تعالى: (أوفوا بالعقود)، وقوله تعالى: (أوفوا بعهد الله إذا عاهدتم) [النحل:
91] وقوله تعالى: (يوفون بالنذر) [الانسان: 7]، وقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون) [الصف: 3]، وقوله تعالى: (ومنهم من عاهد الله لئن أتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما أتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون) [التوبة: 75 و 76] فذمهم على ترك الوفاء بالمنذور نفسه، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب: " أوف بنذرك " حين نذر أن يعتكف يوما في الجاهلية، وقوله صلى الله عليه وسلم: " من نذر نذرا سماه فعليه أن يفي به، ومن نذر نذرا ولم يسمه فعليه كفارة يمين "، فهذا حكم ما كان قربة من المنذور في لزوم الوفاء به بعينه. وقسم آخر: وهو ما كان مباحا غير قربة، فمتى نذره لا يصير واجبا ولا يلزمه فعله، فإذا أراد به يمينا فعليه كفارة يمين إذا لم يفعله، مثل قوله: " لله علي أن أكلم زيدا وأدخل هذه الدار وأمشي إلى السوق " فهذه أمور مباحة لا تلزم بالنذر، لأن ما ليس له أصل في القرب لا يصير قربة بالإيجاب، كما أن ما ليس له أصل في الوجوب لا يصير واجبا بالنذر، فإن أراد به اليمين كان يمينا وعليه الكفارة إذا حنث. والقسم الثالث: نذر المعصية، نحو أن يقول: " لله علي أن أقتل فلانا أو أشرب الخمر أو أغصب فلانا ماله "، فهذه أمور هي معاص لله تعالى لا يجوز له الإقدام عليها لأجل النذر وهي باقية على ما كانت عليه من الحضر، وهذا يدل على ما ذكرنا في إيجاب ما ليس بقربة من المباحات
(٣٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 367 368 369 370 371 372 373 374 375 376 377 ... » »»