يجد ما يأكل فيستضيف غيره فلا يضيفه، فهذا مذموم يجوز أن يشكى. وفي هذه الآية دلالة على وجوب الانكار على من تكلم بسوء فيمن كان ظاهره الستر والصلاح، لأن الله تعالى قد أخبر أنه لا يحب ذلك، وما لا يحبه فهو الذي لا يريده، فعلينا أن نكرهه وننكره، وقال: (إلا من ظلم) فما لم يظهر لنا ظلمه فعلينا إنكار سوء القول فيه.
قوله تعالى: (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم) قال قتادة:
" عوقبوا على ظلمهم وبغيهم بتحريم أشياء عليهم ". وفي ذلك دليل على جواز تغليظ المحنة عليهم بالتحريم الشرعي عقوبة لهم على ظلمهم، لأن الله تعالى قد أخبر في هذه الآية أنه حرم عليهم طيبات بظلمهم وصدهم عن سبيل لله، والذي حرم عليهم ما بينه تعالى في قوله: (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم) [الانعام: 146]. وقوله: (وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل) يدل على أن الكفار مخاطبون بالشرائع مكلفون بها مستحقون للعقاب على تركها، لأن الله تعالى قد ذمهم على أكل الربا وأخبر أنه عاقبهم عليه.
قوله تعالى: (لكن الراسخون في العلم منهم)، روي عن قتادة أن " لكن " ههنا استثناء، وقيل: إن " إلا " و " لكن " قد تتفقان في الإيجاب بعد النفي أو النفي بعد الإيجاب، وتطلق " إلا " ويراد بها " لكن " كقوله تعالى: (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ) [النساء: 92] ومعناه: لكن إن قتله خطأ فتحرير رقبة، فأقيمت " إلا " في هذا الموضع مقام " لكن ". وتنفصل " لكن " من " إلا " بأن " إلا " لإخراج بعض من كل، ولكن قد تكون بعد الواحد نحو قولك: ما جاءني زيد لكن عمرو، وحقيقة " لكن " الاستدراك و " إلا " للتخصيص.
قوله تعالى: (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم) روي عن الحسن أنه خطاب لليهود والنصارى، لأن النصارى غلت في المسيح فجاوزوا به منزلة الأنبياء حتى اتخذوه إلها، واليهود غلت فيه فجعلوه لغير رشدة، فغلا الفريقان جميعا في أمره. والغلو في الدين هو مجاوزة حد الحق فيه. وروي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله أن يناوله حصيات لرمي الجمار، قال: فناولته إياها مثل حصا الخذف فجعل يقلبهن بيده