أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٣٧٣
أنها لا تصير واجبة بالنذر، كما أن ما كان محظورا لا يصير مباحا ولا واجبا بالنذر وتجب فيه كفارة يمين إذا أراد يمينا وحنث، لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا نذر في معصية الله " وكفارته كفارة يمين، فالنذر ينقسم إلى هذه الأنحاء.
وأما الأيمان فإنها تعقد على هذه الأمور من قربة أو مباح أو معصية، فإذا عقدها على قربة لم تصر واجبة باليمين، ولكنه يؤمر بالوفاء به فإن لم يف به وحنث لزمته الكفارة، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعبد الله بن عمر: " بلغني أنك قلت والله لأصومن الدهر؟ " فقال: نعم، قال: " فلا تفعل ولكن صم من كل شهر ثلاثة أيام " فقال:
إني أطيق أكثر من ذلك، إلى أن رده إلى أن يصوم يوما ويفطر يوما، فلم يلزمه صوم الدهر باليمين، فدل ذلك على أن اليمين لا يلزم بها المحلوف عليه، ولذلك قال أصحابنا فيمن قال: " والله لأصومن غدا " ثم لم يصمه: فلا قضاء عليه وعليه كفارة يمين. والقسم الآخر من الأيمان: هو أن يحلف على مباح أن يفعله فلا يلزمه فعله كما لا يلزمه فعل القربة المحلوف عليها، فإن شاء فعل المحلوف عليه وإن شاء ترك، فإن حنث لزمته الكفارة. والقسم الثالث: أن يحلف على معصية، فلا يجوز له أن يفعلها بل عليه أن يحنث في يمينه ويكفر عنها، لقوله: " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه "، وقال: " إني لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا فعلت الذي هو خير وكفرت عن يميني "، وقال الله تعالى: (ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم) [النور: 22]، روي أنها نزلت في أبي بكر الصديق حين حلف أن لا ينفق على مسطح بن أثاثة لما كان منه من الخوض في أمر عائشة رضي الله عنها، فأمره الله تعالى بالرجوع إلى الانفاق عليه.
قوله تعالى: (أحلت لكم بهيمة الأنعام) قيل في الأنعام إنها الإبل والبقر والغنم، وقال بعضهم: الإطلاق يتناول الإبل وإن كانت منفردة، وتتناول البقر والغنم إذا كانت مع الإبل، ولا تتناولهما منفردة عن الإبل، وقد روي عن الحسن القول الأول. وقيل: إن الأنعام تقع على هذه الأصناف الثلاثة وعلى الظباء وبقر الوحش ولا يدخل فيها الحافر، لأنه أخذ من نعومة الوطء، ويدل على هذا القول استثناؤه الصيد منها بقوله في نسق التلاوة: (غير محلي الصيد وأنتم حرم). ويدل على أن الحافر غير داخل في الأنعام قوله تعالى: (والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون) [النحل: 5] ثم عطف عليه قوله تعالى: (والخيل والبغال والحمير لتركبوها) [النحل: 8] فلما استأنف ذكرها وعطفها على الأنعام دل على أنها ليست منها. وقد روي عن ابن عباس أنه قال في
(٣٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 368 369 370 371 372 373 374 375 376 377 378 ... » »»