أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٣٦٤
تعالى: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) وقوع بين الفرقة بردة الزوج وزوال سبيله عليها، لأنه ما دام النكاح باقيا فحقوقه ثابتة وسبيله باق عليها.
فإن قيل: إنما قال: (على المؤمنين) فلا تدخل النساء فيه. قيل له: إطلاق لفظ التذكير يشتمل على المؤنث والمذكر، كقوله: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) [النساء: 103] وقد أراد به الرجال والنساء، وكذلك قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله) [البقرة: 278] ونحوه من الألفاظ. ويحتج بظاهره أيضا في الكافر الذمي إذا أسلمت امرأته أنه يفرق بينهما إن لم يسلم، وفي الحربي كذلك أيضا، فإنه لا يجوز إقرارها تحته أبدا. ويحتج به أصحاب الشافعي في إبطال شرى الذمي للعبد المسلم، لأنه بالملك يستحق السبيل عليه. وليس ذلك كما قالوا، لأن الشرى ليس هو السبيل المنفي بالآية، لأن الشرى ليس هو الملك، والملك إنما يتعقب الشرى، وحينئذ يملك السبيل عليه، فإذا ليس في الآية نفي الشرى وإنما فيها نفي السبيل. فإن قيل: إذا كان الشرى هو المؤدي إلى حصول السبيل، وجب أن يكون منتفيا كما كان السبيل منتفيا. قيل له: ليس الأمر كذلك، لأنه ليس يمتنع أن يكون السبيل عليه منتفيا ويكون الشرى المؤدي إلى حصول السبيل جائزا، وإنما أردت نفي الشرى بالآية نفسها، فإن ضممت إلى الآية معنى آخر في نفي الشرى فقد عدلت عن الاحتجاج بها وثبت بذلك أن الآية غير مانعة صحة الشرى، وأيضا فإنه لا يستحق بصحة الشرى السبيل عليه، لأنه ممنوع من استخدامه والتصرف فيه إلا بالبيع وإخراجه عن ملكه، فلم يحصل له ههنا سبيل عليه.
وقوله تعالى: (إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم) قيل فيه وجهان، أحدهما: يخادعون نبي الله والمؤمنين بما يظهرون من الإيمان لحقن دمائهم ومشاركة المسلمين في غنائمهم والله تعالى يخادعهم حديث بالعقاب على خداعهم، فسمى الجزاء على الفعل باسمه على مزاوجة الكلام، كقوله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه) [البقرة: 194]. والآخر: أنهم يعملون عمل المخادع لمالكه بما يظهرون من الإيمان ويبطنون خلافه، وهو يعمل عمل المخادع بما أمر به من قبول إيمانهم، من علمهم بأن الله عليم بما يبطنون من كفرهم.
وقوله تعالى: (ولا يذكرون الله إلا قليلا) قيل فيه: إنما سماه قليلا لأنه لغير وجهه، فهو قليل في المعنى وإن كثر الفعل منهم. وقال قتادة: " إنما سماه قليلا لأنه على وجه الرياء، فهو حقير غير متقبل منهم بل هو وبال عليهم ". وقيل: إنه أراد إلا يسيرا من الذكر، نحو ما يظهرونه للناس دون ما أمروا به من ذكر الله في كل حال أمر به المؤمنين
(٣٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 359 360 361 362 363 364 365 366 367 368 369 ... » »»