إذا أتيت بزنديق آمر بضرب عنقه ولا أستتيبه، فإن تاب قبل أن أقتله خليته ". وذكر سليمان بن شعيب عن أبيه عن أبي يوسف قال: " إذا زعم الزنديق أنه قد تاب حبسته حتى أعلم توبته ". وذكر محمد في السير عن أبي يوسف عن أبي حنيفة: " أن المرتد يعرض عليه السلام فإن أسلم وإلا قتل مكانه، إلا أن يطلب أن يؤجل فإن طلب ذلك أجل ثلاثة أيام " ولم يحك خلافا. قال أبو جعفر الطحاوي: وحدثنا سليمان بن شعيب عن أبيه عن أبي يوسف - في نوادر ذكرها عنه أدخلها في أماليه عليهم - قال: قال أبو حنيفة: " أقتل الزنديق سرا فإن توبته لا تعرف "، ولم يحك أبو يوسف خلافه. وقال ابن القاسم عن مالك: " المرتد يعرض عليه الاسلام ثلاثا فإن أسلم وإلا قتل، وإن ارتد سرا قتل ولم يستتب كما يقتل الزنادقة، وإنما يستتاب من أظهر دينه الذي ارتد إليه "، قال مالك:
" يقتل الزنادقة ولا يستتابون، والفدية يستتابون " فقيل لمالك: فكيف يستتاب القدرية؟ قال: " يقال لهم اتركوا ما أنتم عليه فإن فعلوا وإلا قتلوا وإن أقر القدرية بالعلم لم يقتلوا ". وروى مالك عن زيد بن أسلم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من غير دينه فاضربوا عنقه "، قال مالك: هذا فيمن ترك الاسلام ولم يقربه، لا فيمن خرج من اليهودية إلى النصرانية ولا من النصرانية إلى اليهودية، قال مالك: وإذا رجع المرتد إلى الاسلام فلا ضرب عليه، وحسن أن يترك المرتد ثلاثة أيام ويعجبني. وقال الحسن بن صالح:
" يستتاب المرتد وإن تاب مائة مرة ". وقال الليث: " الناس لا يستتيبون من ولد في الاسلام إذا شهد عليه بالردة، ولكنه يقتل تاب من ذلك أو لم يتب إذا قامت البينة العادلة ". وقال الشافعي: " يستتاب المرتد ظاهرا والزنديق، وإن لم يتب قتل ".
وفي الاستتابة ثلاثا قولان، أحدهما حديث عمر، والآخر أنه لا يؤخر لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر فيه بأناة، وهذا ظاهر الخبر. قال أبو بكر: روى سفيان عن جابر عن الشعبي قال: " يستتاب المرتد ثلاثا " ثم قرأ: (إن الذين آمنوا ثم كفروا) الآية، وروي عن عمر أنه أمر باستتابته ثلاثا. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من بدل دينه فاقتلوه " ولم يذكر فيه استتابته، إلا أنه يجوز أن يكون محمولا على أنه قد استحق القتل، وذلك لا يمنع دعاءه إلى الاسلام والتوبة لقوله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) [النحل: 125] الآية، وقال تعالى: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة