أنا ومن اتبعني) [يوسف: 108]، فأمر بالدعاء إلى دين الله تعالى ولم يفرق بين المرتد وبين غيره، فظاهره يقتضي دعاء المرتد إلى الاسلام كدعاء سائر الكفار، ودعاؤه إلى الاسلام هو الاستتابة، وقال تعالى: (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) [الأنفال: 38]، وقد تضمن ذلك الدعاء إلى الإيمان، ويحتج بذلك أيضا في استتابة الزنديق لاقتضاء عموم اللفظ له، وكذلك قوله: (إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا) لم يفرق فيه بين الزنديق وغيره، فظاهره يقتضي قبول إسلامه.
فإن قيل: قوله تعالى: (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) [الأنفال: 38] لا دلالة فيه على زوال القتل عنه لأنا نقول هو مغفور له ذنوبه ويجب مع ذلك قتله كما يقتل الزاني المحصن وإن كان تائبا ويقتل قاتل النفس مع التوبة. قيل له:
قوله تعالى: (إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) [الأنفال: 38] يقتضي غفران ذنوبه وقبول توبته، لو لم تكن مقبولة لما كانت ذنوبه مغفورة، وفي ذلك دليل على صحة استتابته وقبولها منه في أحكام الدنيا والآخرة. وأيضا فإن قتل الكافر إنما هو مستحق بإقامته على الكفر، فإذا انتقل عنه إلى الإيمان فقد زال المعنى الذي من أجله وجب قتله وعاد إلى حظر دمه، ألا ترى أن المرتد ظاهرا متى أظهر الاسلام حقن دمه؟
كذلك الزنديق. وقد روي عن ابن عباس في المرتد الذي لحق بمكة وكتب إلى قومه.
سلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لي من توبة؟ فأنزل الله: (كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم) [آل عمران: 86] إلى قوله تعالى: (إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا) [آل عمران: 89] فكتبوا بها إليه، فرجع فأسلم، فحكم له بالتوبة بما ظهر من قوله، فوجب استعمال ذلك والحكم له بما يظهر منه دون ما في قلبه. وقول من قال: إني لا أعرف توبته إذا كفر سرا، فإنا لا نؤاخذ باعتبار حقيقة اعتقاده لأن ذلك لا نصل إليه، وقد حظر الله علينا الحكم بالظن بقوله تعالى: (اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم) [الحجرات: 12]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إياكم والظن فإنه أكذب الحديث "، وقال تعالى:
(ولا تقف ما ليس لك به علم) [الإسراء: 36]، وقال: (إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن) [الممتحنة: 10]، ومعلوم أنه لم يرد حقيقة العلم بضمائرهن واعتقادهن، وإنما أراد ما ظهر من إيمانهن بالقول وجعل ذلك علما، فدل على أنه لا اعتبار بالضمير في أحكام الدنيا وإنما الاعتبار بما يظهر من القول، وقال تعالى: (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا) [النساء: 94] وذلك عموم في جميع الكفار، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد حين قتل الرجل الذي قال لا إله إلا الله، فقال: إنما قالها متعوذا، قال: " هلا شققت عن قلبه! ". وروى الثوري عن أبي إسحاق