عن حارثة بن مضرب، أنه أتى عبد الله فقال: ما بيني وبين أحد من العرب إحنة، وإني مررت بمسجد بني حنيفة فإذا هم يؤمنون بمسيلمة، فأرسل إليهم عبد الله، فجاء بهم واستتابهم، غير ابن النواحة قال له: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لولا أنك رسول لضربت عنقك " فأنت اليوم لست برسول، أين ما كنت تظهر من الاسلام؟ قال: كنت أتقيكم به، فأمر به قرظة بن كعب فضرب عنقه بالسوق، ثم قال: من أراد أن ينظر إلى ابن النواحة قتيلا بالسوق، فهذا مما يحتج به من لم يقبل توبة الزنديق، وذلك لأنه استتاب القوم وقد كانوا مظهرين لكفرهم، وأما ابن النواحة فلم يستتبه لأنه أقر أنه كان مسرا للكفر مظهرا للإيمان على وجه التقية، وقد كان قتله إياه بحضرة الصحابة، لأن في الحديث أنه شاور الصحابة فيهم. وروى الزهري عن عبيد الله بن عبد الله قال: أخذ بالكوفة رجال يؤمنون بمسيلمة الكذاب، فكتب فيهم إلى عثمان، فكتب عثمان: " أعرض عليهم دين الحق وشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن قالها وتبرأ من دين مسيلمة فلا تقتلوه، ومن لزم دين مسيلمة فاقتله " فقبلها رجال منهم ولزم دين مسيلمة رجال فقتلوا.
قوله تعالى: (بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين)، قيل في معنى قوله: (أولياء من دون المؤمنين) أنهم اتخذوهم أنصارا وأعضادا لتوهمهم أن لهم القوة والمنعة بعداوتهم للمسلمين بالمخالفة جهلا منهم بدين الله، وهذا من صفة المنافقين المذكورين في الآية، وهذا يدل على أنه غير جائز للمؤمنين الاستنصار بالكفار على غيرهم من الكفار، إذ كانوا متى غلبوا كان حكم الكفر هو الغالب، وبذلك قال أصحابنا. وقوله: (أيبتغون عندهم العزة) يدل على صحة هذا الاعتبار وأن الاستعانة بالكفار لا تجوز، إذ كانوا متى غلبوا كان الغلبة والظهور للكفار وكان حكم الكفر هو الغالب.
فإن قيل: إذا كانت الآية في شأن المنافقين وهم كفار، فكيف يجوز الاستدلال به على المؤمنين؟ قيل له: لأنه قد ثبت أن هذا الفعل محظور فلا يختلف حكمه بعد ذلك أن يكون من المؤمنين أو من غيرهم، لأن الله تعالى متى ذم قوما على فعل فذلك الفعل قبيح لا يجوز لأحد من الناس فعله إلا أن تقوم الدلالة عليه. وقيل إن أصل العزة هو الشدة، ومنه قيل للأرض الصلبة الشديدة " عزاز " وقيل: قد استعز المرض على المريض إذا اشتد مرضه، ومنه قول القائل " عز علي كذا " إذا اشتد عليه، وعز الشئ إذا قل لأنه يشتد مطلبه، وعازه في الأمر إذا شاده فيه، وشاة عزوز إذا كانت تحلب بشدة لضيق أحاليلها، والعزة القوة منقولة عن الشدة، والعزيز القوي المنيع، فتضمنت الآية النهي عن اتخاذ