أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٣٥٣
رسول الله صلى الله عليه وسلم مباينته ومعاداته بأن يصير في شق غير الشق الذي هو فيه، وكذلك قوله تعالى: (إن الذين يحادون الله ورسوله) [المجادلة: 5] هو أن يصير في حد غير حد الرسول، وهو يعني مباينته في الاعتقاد والديانة. وقال: (من بعد ما تبين له الهدى) تغليظا في الزجر عنه وتقبيحا لحاله وتبيينا للوعيد فيه، إذ كان معاندا بعد ظهور الآيات والمعجزات الدالة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم. وقرن اتباع غير سبيل المؤمنين إلى مباينة الرسول فيما ذكر له من الوعيد، فدل على صحة إجماع الأمة لإلحاقه الوعيد بمن اتبع غير سبيلهم.
وقوله: (نوله ما تولى) إخبار عن براءة الله منه وأنه يكله إلى ما تولى من الأوثان واعتضد به، ولا يتولى الله نصره ومعونته.
قوله تعالى: (ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام) التبتيك التقطيع، يقال: بتكه يبتكه تبتيكا، والمراد به في هذا الموضع شق أذن البحيرة، روي ذلك عن قتادة وعكرمة والسدي.
وقوله: (ولأمنينهم) يعني والله أعلم: أنه يمنيهم طول البقاء في الدنيا ونيل نعيمها ولذاتها ليركنوا إلى ذلك ويحرصوا عليه ويؤثروا الدنيا على الآخرة، ويأمرهم أن يشقوا آذان الأنعام ويحرموا على أنفسهم وعلى الناس بذلك أكلها، وهي البحيرة التي كانت العرب تحرم أكلها.
وقوله: (ولآمرنهم فليغيرن خلق الله) فإنه روي فيه ثلاثة أوجه، أحدها: عن ابن عباس رواية إبراهيم ومجاهد والحسن والضحاك والسدي: " دين الله بتحريم الحلال وتحليل الحرام "، ويشهد له قوله تعالى: (لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم) [الروم:
30]. والثاني: ما روي عن أنس وابن عباس رواية شهر بن حوشب وعكرمة وأبي صالح: " أنه الخصاء ". والثالث: ما روي عن عبد الله والحسن: " أنه الوشم ". وروى قتادة عن الحسن أنه كان لا يرى بأسا بإخصاء الدابة، وعن طاوس وعروة مثله. وروي عن ابن عمر أنه نهى عن الإخصاء، وقال: " ما أنهى إلا في الذكور ". وقال ابن عباس:
" إخصاء البهيمة مثله " ثم قرأ: (ولآمرنهم فليغيرن خلق الله). وروى عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إخصاء الجمل ".
قوله تعالى: (واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا) هو نظير قوله:
(ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا) [النحل: 123]، وهذا يوجب أن كل ما ثبت من ملة إبراهيم عليه السلام فعلينا اتباعه.
فإن قيل: فواجب أن تكون شريعة النبي صلى الله عليه وسلم هي شريعة إبراهيم عليه السلام. قيل
(٣٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 348 349 350 351 352 353 354 355 356 357 358 ... » »»