أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٣٥٨
لاحتمال اللفظ لهما، فيفيد ذلك الأمر بالتسوية بين الخصوم في المجلس والنظر والكلام وترك إسرار أحدهما والخلوة به، كما روي عن علي كرم الله وجهه قال: " نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نضيف أحد الخصمين دون الآخر ".
وقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله) قيل فيه: يا أيها الذين آمنوا بمن قبل محمد من الأنبياء آمنوا بالله وبمحمد وما أتى به من عند الله، لأنهم من حيث آمنوا بالمتقدمين من الأنبياء لما كان معهم من الآيات فقد ألزمهم الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم لهذه العلة بعينها. ومن جهة أخرى أن في كتب الأنبياء المتقدمين البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم، فمن حيث آمنوا بهم وصدقوا بما أخبروا به عن الله تعالى، وقد أخبروهم بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فعليهم الإيمان به وهم محجوجون بذلك. وقيل: إنه خطاب للمؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم وأمر لهم بالمداومة على الإيمان والثبات عليه، والله أعلم.
باب استتابة المرتد قال الله تعالى: (إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا) قال قتادة: " يعني به أهل الكتابين من اليهود والنصارى، آمن اليهود بالتوراة ثم كفروا بمخالفتها وكذلك آمنوا بموسى عليه السلام ثم كفروا بمخالفته، وآمن النصارى بالإنجيل ثم كفروا بمخالفته وكذلك آمنوا بعيسى عليه السلام ثم كفروا بمخالفته، ثم ازدادوا كفرا بمخالفة الفرقان ومحمد صلى الله عليه وسلم ". وقال مجاهد: " هي في المنافقين، آمنوا ثم ارتدوا ثم آمنوا ثم ارتدوا ثم ماتوا على كفرهم ". وقال آخرون: " هم طائفة من أهل الكتاب قصدت تشكيك أهل الاسلام، وكانوا يظهرون الإيمان به والكفر به، وقد بين الله أمرهم في قوله:
(وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون) [آل عمران: 72] ".
مطلب: في الخلاف في قبول توبة الزنديق قال أبو بكر: هذا يدل على أن المرتد متى تاب تقبل توبته وأن توبة الزنديق مقبولة، إذ لم تفرق بين الزنديق وغيره من الكفار وقبول توبته بعد الكفر مرة بعد أخرى والحكم بإيمانه متى أظهر الإيمان. واختلف الفقهاء في استتابة المرتد والزنديق، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر: " في الأصل لا يقتل المرتد حتى يستتاب، ومن قتل مرتدا قبل أن يستتاب فلا ضمان عليه ". وذكر بشر بن الوليد عن أبي يوسف في الزنديق الذي يظهر الاسلام قال أبو حنيفة: " أستتيبه كالمرتد، فإن أسلم خليت سبيله وإن أبى قتلته "، وقال أبو يوسف كذلك زمانا، فلما رأى ما يصنع الزنادقة ويعودون قال: " أرى
(٣٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 353 354 355 356 357 358 359 360 361 362 363 ... » »»