قوله تعالى: (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) الآية، روي عن أبي عبيدة قال: " يعني المودة وميل الطباع "، وكذلك روي عن ابن عباس والحسن وقتادة.
وقوله تعالى: (فلا تميلوا كل الميل) يعني والله أعلم إظهاره بالفعل حتى ينصرف عنها إلى غيرها، يدل عليه قوله: (فتذروها كالمعلقة)، قال ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن ومجاهد وقتادة: " لا أيم ولا ذات زوج ". وقد روى قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كانت له امرأتان يميل مع إحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط "، وهذا الخبر يدل أيضا على وجوب القسم بينهما بالعدل وأنه إذا لم يعدل فالفرقة أولى، لقوله تعالى: (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) [البقرة: 229]، فقال تعالى بعد ذكره ما يجب لها من العدل في القسم وترك إظهار الميل عنها إلى غيرها: (وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته) تسلية لكل واحد منهما عن الآخر وأن كل واحد منهما سيغنيه الله عن الآخر إذا قصدا الفرقة، تخوفا من ترك حقوق الله التي أوجبها، وأخبر أن رزق العباد كلهم على الله وأن ما يجريه منه على أيدي عباده فهو المسبب له والمستحق للحمد عليه، وبالله التوفيق.
باب ما يجب على الحاكم من العدل بين الخصوم قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم) الآية، روى قابوس عن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس في قوله: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله) قال: " هو الرجلان يجلسان إلى القاضي فيكون لي القاضي وإعراضه عن الآخر ". وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن مهران الدينوري قال: حدثنا أحمد بن يونس قال: حدثنا زهير قال:
حدثنا عباد بن كثير بن أبي عبد الله عن عطاء بن يسار عن أم سلمة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من ابتلي بالقضاء بين المسلمين فليعدل بينهم في لحظه وإشارته ومقعده ولا يرفع صوته على أحد الخصمين ما لم يرفع على الآخر ".
قال أبو بكر: قوله تعالى: (كونوا قوامين بالقسط) قد أفاد الأمر بالقيام بالحق والعدل، وذلك موجب على كل أحد إنصاف الناس من نفسه فيما يلزمه لهم وإنصاف المظلوم من ظالمه ومنع الظالم من ظلمه، لأن جميع ذلك من القيام بالقسط، ثم أكد ذلك بقوله: (شهداء لله) يعني والله أعلم. فيما إذا كان الوصول إلى القسط، من طريق الشهادة، فتضمن ذلك الأمر بإقامة الشهادة على الظالم المانع من الحق للمظلوم صاحب