الفقهاء فلست أقول فيه شيئا "، وسألت محمد بن سيرين فقال مثل قول مجاهد، وسألت يوسف بن ماهك فذكر حديث أبي قعيس. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر ومالك والثوري والأوزاعي والليث والشافعي: " لبن الفحل يحرم ". وقال سعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعطاء ابن يسار وسليمان بن يسار:
" إن لبن الفحل لا يحرم شيئا من قبل الرجال "، وروى مثله عن رافع بن خديج.
والدليل على صحة القول الأول حديث الزهري وهشام بن عروة عن عروة عن عائشة: أن أفلح أخا أبي القعيس جاء ليستأذن عليها وهو عمها من الرضاعة بعد أن نزل الحجاب، قالت: فأبيت أن آذن له، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته، قال: " ليلج عليك فإنه عمك "، قلت: إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل! قال: " ليلج عليك فإنه عمك تربت يمينك! "، وكان أبو القعيس زوج المرأة التي أرضعت عائشة. ويدل عليه من جهة النظر أن سبب نزول اللبن هو ماء الرجل والمرأة جميعا، لأن الحمل منهما جميعا، فوجب أن يكون الرضاع منهما كما كان الولد منهما وإن اختلف سببهما.
فإن قيل: قد روى مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها كانت تدخل عليها من أرضعته أخواتها وبنات أخيها ولا تدخل عليها من أرضعته نساء إخوتها.
قيل له: هذا غير مخالف لما ورد في لبن الفحل، إذ كان لها أن تأذن لمن شاءت من محارمها وتحجب من شاءت. ويدل عليه أيضا من جهة النظر أن البنت محرمة على الجد وإن لم تكن من مائه، لأنه كان سبب حدوث الأب الذي هو من مائه، كذلك الرجل لما كان هو سبب نزول اللبن من المرأة وجب أن يتعلق به التحريم وإن لم يكن اللبن منه، إذ كان هو سببه كما يتعلق به التحريم من جهة الأم. والمنصوص عليه في التنزيل من الرضاع الأمهات والأخوات من الرضاعة، إلا أنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنقل المستفيض الموجب للعلم أنه قال: " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب "، واتفق الفقهاء على استعماله، والله أعلم.
باب أمهات النساء والربائب قال الله تعالى: (وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن)، ولم تختلف الأمة أن الربائب لا يحرمن بالعقد على الأم حتى يدخل بها أو يكون منه ما يوجب التحريم من اللمس والنظر على ما بيناه فيما سلف، وهو نص التنزيل في قوله تعالى: (فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم).
واختلف السلف في أمهات النساء، هل يحرمن بالعقد دون الدخول؟ فروى