شائعا في الجاهلية، فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم أقر أحدا منهم على ذلك النكاح لنقل واستفاض، فلما لم ينقل ذلك دل على أن المراد بقوله: (إلا ما قد سلف): فإنكم غير مؤاخذين به، وذلك لأنهم قبل ورود الشرع بخلاف ما هم عليه كانوا مقرين على أحكامهم، فأعلمهم الله تعالى أنهم غير مؤاخذين فيما لم تقم عندهم حجة السمع بتركه، فلا احتمال في قوله: (إلا ما قد سلف) في هذا الموضع إلا ما ذكرنا، وقوله تعالى: (إلا ما قد سلف) عند ذكر الجمع بين الأختين يحتمل غير ما ذكر ههنا، وسنذكره إذا انتهينا إليه إن شاء الله تعالى. ومعنى: (إلا ما قد سلف) ههنا استثناء منقطع كقوله: " لا تلق فلانا إلا ما لقيت " يعني لكن ما لقيت فلا لوم عليك فيه.
وقوله: (إنه كان فاحشة) هذه الهاء كناية عن النكاح، وقد قيل فيه وجهان، أحدهما: النكاح بعد النهي فاحشة، ومعناه هو فاحشة، فكان في هذا الموضع ملغاة وهو موجود في كلامهم، قال الشاعر:
فإنك لو رأيت ديار قوم * وجيران لنا كانوا كرام فأدخل " كان " وهي ملغاة غير معتد بها، لأن القوافي مجرورة. وقال الله تعالى:
(وكان الله عليما حكيما) [النساء: 17] والله عليم حكيم. ويحتمل أن يريد به أن ما كان منه في الجاهلية فهو فاحشة فلا تفعلوا مثله، وهذا لا يكون إلا بعد قيام حجة السمع عليهم بتحريمه، ومن قال هذا جعل قوله تعالى: (إلا ما قد سلف) فإنه يسلم منه بالإقلاع عنه والتوبة منه.
قال أبو بكر: والأولى حمله على أنه فاحشة بعد نزول التحريم، لأن ذلك مراد عند الجميع لا محالة، ولم تقم الدلالة على أن حجة السمع قد كانت قامت عليهم بتحريمه من جهة الرسل المتقدمين فيستحقون اللوم عليه، ويدل عليه قوله تعالى: (إلا ما قد سلف) وظاهره يقتضي نفي المؤاخذة بما سلف منه.
فإن قيل: هذا يدل على أن من عقد نكاحا على امرأة أبيه ووطئها كان وطؤه زنا موجبا للحد، لأنه سماها فاحشة، وقال الله تعالى: (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا) [الإسراء: 32]. قيل له: الفاحشة لفظ مشترك يقع على كثير من المحظورات، وقد روي في قوله تعالى: (إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) أن خروجها من بيته فاحشة. وروي أن الفاحشة في ذلك أن تستطيل بلسانها على أهل زوجها، وقيل فيها: إنها الزنا. فالفاحشة اسم يتناول مواقعة المحظور، وليس يختص بالزنا دون غيره حتى إذا أطلق فيه اسم الفاحشة كان زنا، وما كان من وطء عن عقد فاسد فإنه لا يسمى