أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ١٥٦
منهن، وعقل من قوله تعالى: (وعماتكم) تحريم عمات الأب والأم. وكذلك قوله تعالى: (وخالاتكم) عقل منه تحريم خالات الأم والأب كما عقل تحريم أمهات الأب وإن علون. وخص تعالى العمات والخالات بالتحريم دون أولادهن، ولا خلاف في جواز نكاح بنت العمة وبنت الخالة، وقال تعالى: (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) ومعلوم أن هذه السمة إنما هي مستحقة بالرضاع، أعني سمة الأمومة والأخوة، فلما علق هذه السمة بفعل الرضاع اقتضى ذلك استحقاق اسم الأمومة والأخوة بوجود الرضاع، وذلك يقتضي التحريم بقليل الرضاع لوقوع الاسم عليه.
فإن قيل: قوله تعالى: (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم) بمنزلة قول القائل: وأمهاتكم اللاتي أعطينكم وأمهاتكم اللاتي كسونكم، فنحتاج إلى أن نثبت أنها أم بهذه الصفة حتى يثبت الرضاع، لأنه لم يقل: واللاتي أرضعنكم أمهاتكم. قيل له: هذا غلط من قبل أن الرضاع هو الذي يكسبها سمة الأمومة، فلما كان الاسم مستحقا بوجود الرضاع كان الحكم متعلقا به، واسم الرضاع في الشرع واللغة يتناول القليل والكثير، فوجب أن تصير أما بوجود الرضاع لقوله تعالى: (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم)، وليس كذلك الذي ذكرت من قول القائل وأمهاتكم اللاتي كسونكم، لأن اسم الأمومة غير متعلق بوجود الكسوة كتعلقه بوجود الرضاع، فلذلك احتجنا إلى حصول الاسم والفعل المتعلق به، وكذلك قوله تعالى: (وأخواتكم من الرضاعة) يقتضي ظاهره كونها أختا بوجود الرضاع، إذا كان اسم الأخوة مستفادا بوجود الرضاع لا بمعنى آخر سواه. ويدل على أن ذلك مفهوم الخطاب ومقتضى القول، ما رواه عبد الوهاب بن عطاء عن أبي الربيع عن عمرو بن دينار قال: جاء رجل إلى ابن عمر فقال: إن ابن الزبير يقول: لا بأس بالرضعة والرضعتين، فقال ابن عمر: " قضاء الله خير من قضاء ابن الزبير، قال الله تعالى: ( من الرضاعة فعقل ابن عمر من ظاهر اللفظ التحريم بقليل الرضاع مطلب: اختلف السلف في التحريم بقليل الرضاع واختلف السلف ومن بعدهم في التحريم بقليل الرضاع، فروى عن عمر وعلي وابن عباس وابن عمر والحسن وسعيد بن المسيب وطاوس وإبراهيم والزهري والشعبي:
" قليل الرضاع وكثيره يحرم في الحولين "، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وزفر ومالك والثوري والأوزاعي والليث، قال الليث: " اجتمع المسلمون على أن قليل الرضاع وكثيره يحرم في المهد ما يفطر الصائم ". وقال ابن الزبير والمغيرة بن شعبة وزيد بن ثابت: " لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان ". وقال الشافعي: " لا يحرم من الرضاع إلا خمس رضعات متفرقات ".
(١٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 ... » »»