الأختين جميع ذلك مباحا، فعلمنا أن تحريم من ذكر تحريم الجمع بينهن في الخبر لم يكن قبل تحريم الجمع بين الأختين، وإذا امتنع أن يكون الخبر قبل الآية لم يخل من أن يكون معها أو بعدها، فإن كان معها فلم ترد الآية إلا خاصة فيمن عدا ما ذكر في الخبر تحريم جمعهن، وعلمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك عقيب تلاوة الآية وبين مراد الله تعالى بها، فلم يعقل السامعون للآية حكما إلا خاصا على ما بيناه. وإن كان حكم الآية استقر على مقتضى عموم لفظها ثم ورد الخبر، فإن هذا لا يكون إلا على وجه النسخ، ونسخ القرآن جائز بمثله لتواتره واستفاضته وكونه في حيز الأخبار الموجبة للعلم والعمل، فإن لم يثبت عندنا تاريخ الآية والخبر مع حصول اليقين بأنه غير منسوخ بالآية لأنه لم يرد قبلها على ما بينا آنفا، وجب استعماله مع الآية. وأولى الأشياء أن يكون الآية والخبر وردا معا، لأنه ليس عندنا علم بتأريخهما، وغير جائز لنا الحكم بتأخره عن الآية ونسخ بعض أحكام الآية به، لأن ذلك لا يكون إلا بعد استقرار حكمها، وليس عندنا علم باستقرار حكم الآية على عمومها ثم ورد النسخ عليها بالخبر، فوجب الحكم بورودهما معا، ولأن الآية والخبر إذا لم يعلم تاريخهما وجب الحكم بهما معا، كالغرقى والقوم الذين يقع عليهم البيت إذا لم يعلم موت أحدهم متقدما على الآخر حكمنا بموتهم جميعا معا، والله أعلم.
باب تحريم نكاح ذوات الأزواج قال الله تعالى: (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت) عطفا على من حرم من النساء من عند قوله تعالى: (حرمت عليكم أمهاتكم)، فروى سفيان عن حماد عن إبراهيم عن عبد الله: (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) قال: " ذوات الأزواج من المسلمين والمشركين ". وقال علي بن أبي طالب: " ذوات الأزواج من المشركين ". وقد روي سعيد بن جبير عن ابن عباس: " كل ذات زوج إتيانها زنا إلا ما سبيت ".
قال أبو بكر: اتفق هؤلاء على أن المراد بقوله تعالى: (والمحصنات من النساء) ذوات الأزواج منهن وأن نكاحها حرام ما دامت ذات زوج، واختلفوا في قوله تعالى:
(إلا ما ملكت أيمانكم) فتأوله علي وابن عباس في رواية، وعمر وعبد الرحمن بن عوف وابن عمر: أن الآية إنما وردت في ذوات الأزواج من السبايا أبيح وطؤهن بملك اليمين ووجب بحدوث السبي عليها دون زوجها وقوع الفرقة بينهما، وكانوا يقولون:
إن بيع الأمة لا يكون طلاقا ولا يبطل نكاحها. وتأوله ابن مسعود وأبي بن كعب وأنس بن مالك وجابر بن عبد الله وابن عباس في رواية عكرمة: أنه في جميع ذوات الأزواج من السبايا وغيرهم، وكانوا يقولون: بيع الأمة طلاقها. وقد حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا