منسوخ عند فقهاء الأمصار، فجائز أن يكون تحديد الرضاع كان في رضاع الكبير، فلما نسخ سقط التحديد إذ كان مشروطا فيه. وأيضا يلزم الشافعي إيجاب التحريم بثلاث رضعات لدلالة قوله: " لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان " على إيجاب التحريم فيما زاد على أصله في المخصوص بالذكر. وأما حديث عائشة فغير جائز اعتقاد صحته على ما ورد، وذلك لأنها ذكرت أنه كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات فنسخن بخمس، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو مما يتلى، وليس أحد من المسلمين يجيز نسخ القرآن بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، فلو كان ثابتا لوجب أن تكون التلاوة موجودة، فإذا لم توجد به التلاوة ولم يجز النسخ بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم لم يخل ذلك من أحد وجهين: إما أن يكون الحديث مدخولا في الأصل غير ثابت الحكم، أو يكون إن كان ثابتا فإنما نسخ في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كان منسوخا فالعمل به ساقط. وجائز أن يكون ذلك كان تحديدا لرضاع الكبير، وقد كانت عائشة تقول به في إيجاب التحريم في رضاع الكبير دون سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت عندنا وعند الشافعي نسخ رضاع الكبير، فسقط حكم التحديد المذكور في حديث عائشة هذا. ومع ذلك لو خلا من هذه المعاني التي ذكرنا من الاستحالة والاحتمال لما جاز الاعتراض به على ظاهر القرآن، إذ هو من أخبار الآحاد.
ومما يدل على ما ذكرنا من سقوط اعتبار التحديد أن الرضاع يوجب تحريما مؤبدا، فأشبه الوطء الموجب لتحريم الأم والبنت والعقد الموجب للتحريم كحلائل الأبناء وما نكح الآباء، فلما كان القليل من ذلك ككثيره فيما يتعلق به من حكم التحريم وجب أن يكون ذلك حكم الرضاع في إيجاب التحريم بقليله.
مطلب: اختلف أهل العلم في لبن الفحل واختلف أهل العلم في لبن الفحل، وهو الرجل يتزوج المرأة فتلد منه ولدا وينزل لها لبن بعد ولادتها منه فترضع به صبيا، فإن من قال بتحريم لبن الفحل يحرم هذا الصبي على أولاد الرجل وإن كانوا من غيرها، ومن لا يعتبره لا يوجب تحريما بينه وبين أولاده من غيرها. فممن قال بلبن الفحل ابن عباس، وروى الزهري عن عمرو بن الشريد عن ابن عباس أنه سئل عن رجل له امرأتان أرضعت هذه غلاما وهذه جارية، هل يصح للغلام أن يتزوج الجارية؟ فقال: " لا، اللقاح واحد "، وهو قول القاسم وسالم وعطاء وطاوس.
وذكر الخفاف عن سعيد عن ابن سيرين قال: " كرهه قوم ولم ير به قوم بأسا، ومن كرهه كان أفقه من الذين لم يروا به بأسا ". وذكر عباد بن منصور قال: قلت للقاسم بن محمد:
امرأة أبي أرضعت جارية من الناس بلبان إخوتي من أبي أتحل لي؟ قال: " لا، أبوك أبوها "، فسألت طاوسا والحسن فقالا مثل ذلك، وسألت مجاهدا فقال: " اختلف فيه