ثم سأله إياها بعض ولده، فقال: إنها لا تحل لك ". وروى المثنى عن عمرو بن شعيب عن ابن عمر أنه قال: " أيما رجل جرد جارية له فنظر إليه منها يريد ذلك الأمر فإنها لا تحل لابنه ". وعن الشعبي قال: كتب مسروق إلى أهله قال: " انظروا جاريتي فلانة فبيعوها فإني لم أصب منها إلا ما حرمها على ولدي من اللمس والنظر "، وهو قول الحسن والقاسم بن محمد ومجاهد وإبراهيم. فاتفق هؤلاء السلف على إيجاب التحريم بالنظر واللمس، وإنما خص أصحابنا النظر إلى الفرج في إيجاب التحريم دون النظر إلى سائر البدن لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من نظر إلى فرج امرأة لم تحل له أمها ولا ابنتها "، فخص النظر إلى الفرج بإيجاب التحريم دون النظر إلى سائر البدن، وكذلك روي عن ابن مسعود وابن عمر ولم يرو عن غيرهما من السلف خلافه، فثبت بذلك أن النظر إلى الفرج مخصوص بإيجاب التحريم دون غيره. وكان القياس أن لا يقع تحريم بالنظر إلى الفرج كما لا يقع بالنظر إلى غيره من سائر البدن، إلا أنهم تركوا القياس فيه للأثر واتفاق السلف، ولم يوجبوه بالنظر إلى غير الفرج وإن كان لشهوة على ما يقتضيه القياس، ألا ترى أن النظر لا يتعلق به حكم في سائر الأصول؟ ألا ترى أنه لو نظر وهو محرم أو صائم فأمنى لا يفسد صومه ولو كان الإنزال عن لمس فسد صومه ولزمه دم لإحرامه؟ فعلمت أن النظر من غير لمس لا يتعلق به حكم، فلذلك قلنا إن القياس أن لا يحرم النظر شيئا، إلا أنهم تركوا القياس في النظر إلى الفرج خاصة لما ذكرنا.
ويحتج لمذهب ابن شبرمة بظاهر قوله تعالى: (فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم)، واللمس ليس بدخول، فلا يحرم. والجواب عنه أنه ليس بممتنع أن يريد الدخول أو ما يقوم مقامه، كما قال تعالى: (فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا) [البقرة: 230] فذكر الطلاق ومعناه الطلاق أو ما يقوم مقامه، ويكون دلالته ما ذكرنا من قول السلف واتفاقهم من غير مخالف لهم على إيجاب التحريم باللمس. ولا خلاف بين أهل العلم أن عقد النكاح على امرأة يوجب تحريمها على الابن، وروى ذلك عن الحسن ومحمد بن سيرين وإبراهيم وعطاء وسعيد بن المسيب.
وقوله تعالى: (إلا ما قد سلف)، فإنه روى عن عطاء: " إلا ما كان في الجاهلية ". قال أبو بكر: يحتمل أن يريد: إلا ما كان في الجاهلية فإنكم لا تؤاخذون به، ويحتمل: إلا ما قد سلف فإنكم مقرون عليه، وتأوله بعضهم على ذلك، وهذا خطأ لأنه لم يرو أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر أحدا على عقد نكاح امرأة أبيه وإن كان في الجاهلية. وقد روى البراء: " أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا بردة بن نيار إلى رجل عرس بامرأة أبيه - وفي بعض الألفاظ: نكح امرأة أبيه - أن يقتله ويأخذ ماله ". وقد كان نكاح امرأة الأب مستفيضا